كتاب الراية

اقتصاديات … الجيو اقتصادي الخليجي والتغيرات العالمية (1/2)

إن العالم المتأزم بتوتراته الجيوسياسية، وإشكالياته الاقتصادية، وصراعاته الدولية المتعددة في الغرب والشرق، ثم مروره حاليًا بمرحلة إعادة تشكيل مراكز القوة العالمية المهيمنة على بوصلة السياسة الدولية، خاصة بعد أن أمست بلاد العم سام – الولايات المتحدة الأمريكية- مهددة في مركز قيادتها لهذا العالم المتأزم نتيجة لفعل سياساتها المنحازة للقوة والاستغلال، لا للعدل والاستقرار في دول العالم الثالث المضطربة سياسيًا واقتصاديًا، بفعل الخلفيات الأيديولوجية والممارسات الانتهازية الأمريكية حول العالم نتيجة إيمانها بنظرية الرأسمالية المتوحشة التي ديدنها «الغاية تبرر الوسيلة» في كل علاقاتها وتعاملاتها الدولية. ناهيك عن مواقفها اللا إنسانية حول العالم، ابتداءً بفيتنام وهيروشيما وناجازاكي ولن يكون آخرها غزة المنكوبة والمنصورة بحول الله وقدرته وبصبر وصمود شعبها المؤمن. تلك مسلمات في عالم السياسة الدولية المعاصرة.

من منظور الاقتصاد الدولي بجناحيه العام والخاص، تبرز الأدوار الجيواقتصادية الخليجية، التي يمكنها جدًا أن تقلب المعادلات والموازين السياسية رأسًا على عقب، وتنتصر للقانون الدولي المخترق استعماريًا، وتسترد كافة الحقوق المغتصبة للشعوب المستضعفة وأولها الشعب الفلسطيني المؤمن. عبر متابعتي للمشهد الاقتصادي الخليجي وتفاعلاته الدولية على مدى العقود الثلاثة الماضية، وعلى ضوء التغيرات التكنولوجية المتسارعة، والتي تدفع بقوة إلى التحول التدريجي من الاقتصاد العالمي السلعي التقليدي إلى الاقتصاد المعرفي النوعي (الذي فصلته بإسهاب «اقتصاديات» الأسبوع الماضي)، بكل ما يحويه من بنية تحتية رقمية وتطبيقات وخوارزميات وبرمجيات وكافة أدوات الثورة الصناعية الرابعة المعاصرة التي انطلقت وشهدها العالم منذ 2016 وما زال. في ظل تلك التغيرات السياسية والتحولات الاقتصادية الراهنة، أجدني فقط أتساءل وأفكر بصوت عال، هل يمكن لمنظومة مجلس التعاون الخليجي بما تزخر به من قوة اقتصادية وموارد استراتيجية تمثل عصب الصناعة العالمية ومبتغى الأسواق العالمية، أن تلعب دورًا سياسيًا بارزًا وتؤديه بثقة واقتدار بواسطة الأدوار والأدوات «الجيواقتصادية»، في سبيل معالجة أهم القضايا السياسية العربية الشائكة وأولها قضية فلسطين المركزية (التي تجاوزت 75 عامًا من عمرها ولا نرى ضوءًا في نهاية النفق)، أو تلك القضايا الأخرى «المزمنة» والآنية على السواء . وبعد .. لِم السؤال الآن؟ لأننا ببساطة نأمل خيرًا ونتفاءل بتباشير خبيئة السنوات القادمة إن شاء الله، خاصة وأن من يتسلمون مقاليد الحكم في بلدانهم لديهم تطلعات تقدمية لأوطانهم وشعوبهم وأنظمتهم، كما صاحبتهم من أبناء شعبهم كوادر علمية وعملية تخرجت من أرقى جامعات الغرب والشرق والوطن العربي الكبير، وأجادوا وتبوؤوا مناصب قيادية مؤثرة ؟ وعليه، نتعشم تأثيرهم الإيجابي ومساعيهم الحميدة في إصلاحاتهم الإقليمية والقومية والإسلامية. ترى ما مفهوم المنظور «الجيواقتصادي» بداية، ثم ما هي الأدوار الممكن اتخاذها من قبل دول مجلس التعاون الخليجي كوسائل ضغط في علاقاتها وسياساتها الدولية والإقليمية ؟

(Geoeconomics) المنظور الجيواقتصادي عبارة عن نهج أو نظرية لتحليل العلاقات والسياسات الدولية عبر التركيز على القوة الاقتصادية كوسيلة رئيسة لتحقيق الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية، فهو يجمع بين عناصر الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية والاستراتيجية الجيوسياسية. وفيه ينظر للاقتصاد من قبل الدولة صاحبة المصلحة الأساسية على أنه عامل تأثيري على الدول الأخرى المتعاملة معها. ليتم تحقيق مصالح هذه الدولة في ظل التنافس العالمي. وبالتالي بهذا النهج تستغل الدول قدراتها الاقتصادية المتاحة من تجارة واستثمار وتمويل وتكنولوجيا ومساعدات وغيرها كأدوات قوة ناعمة أو صلبة لتحقيق أهدافها السياسية.

خبير اقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X