الدوحة – الراية:

لطالما عرفنا أن التقاليد تحتوي على العديد من التأثيرات الثقافية، التي تتفاعل مع بعضها لتنتج تجربة فريدة وفهمًا خاصًا للغة والمجتمع، ولكننا غالبًا ما ننسى أن التقاليد تعمل أيضًا كأحد أقدم الينابيع والدوافع الرئيسية للأساليب والمُمارسات التكنولوجية، التي تتجمع بدورها لتخلق معانيها المُعقدة متعددة الأوجه. وهكذا نرى أنه في جميع أنحاء مناطق جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا والشرق الأقصى، تتطور أشكال الوسائل والتكنولوجيا لتكشف عن معاني وخفايا مُرتبطة بالتقاليد تتحدى الفهم والتفسير البسيط.

هذه الفروق الدقيقة في المعنى، هي الناشئة عن تقاطع التقاليد والتكنولوجيا، والتي يدعو معرض «منحنى التأمل» جمهوره إلى استكشافها والتأمل فيها والتفاعل معها، ذلك المعرض الذي نظمته جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر ضمن مشاركتها في مهرجان آرس إلكترونيكا الذي أقيم في مدينة لينز بالنمسا في الفترة من 4 إلى 8 سبتمبر هذا العام تحت شعار «الأمل – من سيقلب الموازين؟».
واستخدم المصممون المشاركون في المعرض، مجموعة من التقنيات المميزة، من الماسحات الضوئية بتقنية الليدار إلى مصابيح LED والبرامج ثلاثية الأبعاد، ليس كعرض لأشكال جديدة من التواصل، بل كاحتفال بقدرة هذه الوسائط على كشف المعاني الخفية والقصص غير المروية المترسخة في مناطق جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا والشرق الأقصى، بما في ذلك مصادر جديدة للأمل والإلهام للإنسانية – وهو محور موضوع المهرجان هذا العام.
ومن بين المصممين الفنان روش إيمانويل جراسيا، الذي قدم تركيبًا بعنوان «إضاءة: حكايات تجربة ليدار» يتكون من لعبة غامرة تدعو اللاعبين لاستكشاف روايات الثقافة الفلبينية المغتربة ويستخدم التركيب ماسحًا ضوئيًا مزودًا بتقنية الليدار يوفر للزوار سلسلة من تسع غرف مصممة بدقة، تكشف كل منها قصصًا متنوعة عن القبائل، وسبل العيش، والنضالات، والتقاليد، والاحتفالات، والرحلات الخاصة بالشعب الفلبيني.
وترافقُ رحلةُ جراسيا سردًا شعريًا مضبوطًا على موسيقى من تأليفه، كما تتضمن مقاطع صوتية مصنوعة من تسعة أصوات تستحضر الثقافة الفلبينية.

وتعليقًا على مشاركته، قال روش جراسيا، خريج جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر عام 2024 والحاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة في تصميم الجرافيك: «يحتاج المبدعون مثلي إلى تجارب يمكنهم من خلالها التعلم من الثقافات الأخرى وقد أتيحت لي الفرصة لمشاركة أعمالي مع مصممين آخرين في لينز، وبدورهم، كانوا أيضًا قادرين على إلهامي، وإن فرصة تمثيل المجتمع الفلبيني ومصمميه وسرد قصصهم تساعد الجمهور العالمي أيضًا على تقدير تاريخ وتراث الفلبين والتفاعل معه بشكل حيوي» .
كما شاركت المُصممة هند آل سعد، خريجة جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر والحاصلة على ماجستير الفنون الجميلة في التصميم، بمساهمة استكشفتْ الروابط بين الفن الإسلامي وفن الحوسبة من خلال مشروع بعنوان «إحياء ذكرى: طي المبادئ الإسلامية في آلات التأمل».
ويطوي هذا التركيب المبادئ الإسلامية في تقنيات الحوسبة لإعادة التفكير في الآلات كشكل من أشكال العبادة وتسليط الضوء على الانسجام الأصلي في الإسلام بين الدين والعلم.
أما المشروع الثالث بعنوان «وجود» فهو جهد جماعي شارك به كل من البروفيسور بسمة حمدي و ليفاي هاميت، وخريجتا الجامعة شيما أنينه دار، وسلمى فيزولا حيث جمعت هذه القطعة بين التكنولوجيا والحرف التقليدية لإضاءة نسيج متحرك بآلاف مصابيح LED كقصيدة بصرية للطبيعة المتجذرة للغة العربية وقدرتها على محاكاة التعقيدات الجذرية الملحوظة في الطبيعة، من أصغر بذرة إلى أبعد نجم.
أما المساهمة الرابعة في المعرض، من تصميم طلاب وخريجي الجامعة ندى عبده، أعيزة شيخ، سيد نقفي، وإيريكا تسوتشيا فهو العمل الفني «ملكة الجبال»، حيث تضمن هذا العمل المستوحى من قصيدة للشاعر القطري سعود الكواري، عرضًا كرويًا على هيكل قبة مصممة لإثارة الشعور بالانغماس المُشترك بين المشاهدين كما استخدم الفريق برامج ثلاثية الأبعاد ليعكس الجمال الطبيعي وتاريخ المناظر الطبيعية، فضلًا عن التنوع السكاني في منطقة الخليج.
تطور مهرجان آرس إلكترونيكا منذ إنشائه في عام 1979 ليصبح منصة ذات شهرة عالمية تجمع الفنانين والعلماء والتكنولوجيين والمصممين والمطورين ورجال الأعمال والناشطين من جميع أنحاء العالم، وتمنح المشاركين فرصة فريدة لمناقشة كيف يمكن للتقنيات التكنولوجية الجديدة تغيير الطريقة التي يعيش بها الناس ويعملون معًا، وكيف يمكن أن تسهم في التقدم الاجتماعي والبيئي المستدام.