في الأول من يناير للعام 2020 نشرتُ في الراية القطرية مقالًا بعنوان «الثلاجة القاتلة 5G» والذي تناول بجرأة استباقية مخاطر إنترنت الأشياء وأهمية الاستقلال الاقتصادي وأثره على الأمن القومي وحتى الأمن الدولي، وللدخول مباشرة في مضمون الطرح ومناسبته، هو الأحداث الأخيرة في لبنان من تفجير أجهزة النداء الآلي والاتصال اللاسلكي، أما عن الطرح قي المقال السابق فقد كان محوره حول تدشين مصطلح أنشطة «إنترنت الأشياء» ومعناه البسيط والمباشر هو ربط الأجهزة الإلكترونية والإلكتروكهربائية بالإنترنت، مثل الأجهزة المنزلية الثلاجات والتلفزيون والتكييف المستقل والمركزي والحواسيب بأنواعها والسيارات الكهربائية والهجينة والعاملة بالوقود العادي، والعديد من الأجهزة شبه الذكية والمتصلة بالإنترنت، وكيف أن ذلك يُحدث اختراقًا أمنيًا معلوماتيًا ويشكل تهديدًا مباشرًا، ويمكن أن يستعمل كسلاح بعدة طرق، هذا ما تم طرحه في مقال «الثلاجة القاتلة» والذي كان غريبًا نوعًا ما في ذلك الوقت، واليوم ونحن نشهد تطبيق ذلك عمليًا على أرض الواقع في لبنان، يعود بنا الطرح إلى أساسه وهو أن الاستقلالية الاقتصادية في إنشاء مصانع التجميع، وتطوير البرمجيات المحلية المستقلة، لم يعد فقط مطلبًا اقتصاديًا ملحًا، وإنما تحول إلى مسألة أمن قومي، وطبعًا نحن لا نضع الطرح بعيدًا عن التحديات والعراقيل المرتبطة به، ولكن مع توفر صناعة خطوط الإنتاج والتجميع وسهولة نقلها وتشغيلها ومن عدة مصادر، وانعكاس ذلك على الاقتصاد المحلي، أصبح تطبيق النظرية متاحًا وفي متناول اليد لدى معظم الدول، وأما بالنسبة للبرمجيات وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا التخزين السحابي وإدارة البيانات وحمايتها، فقد أصبحت هذه التكنولوجيا متوفرة من عدة مصادر وبعدة خيارات منها المحلية المتكاملة مع المنتج الدولي، أما بالنسبة لتوقيت اتخاذ القرار فهو الآن، ببساطة نجد تكاملًا واقعيًا إلزاميًا بين التنمية الاقتصادية والأمن القومي عبر الاستثمار في قطاع صناعة التكنولوجيا والاتصالات وإنترنت الأشياء، أخيرًا علينا أن ندرك أن التحدي كبير ووجودي ويمكن أن يأتي من أي باب، سواء صناعات ثقيلة أو صناعات غذائية أو كيماويات أو منظفات أو غيرها، وفي نفس الوقت نرى أن النظام العالمي والقانون الدولي ومنظمة التجارة العالمية والمؤسسات الدولية، غير قادرة على القيام بمهامها في تنظيم التجارة الدولية أو إدارة النزاعات، لذلك وجب اليوم إنشاء وتفعيل المجموعات الصناعية التحالفية بين الدول ذات المصالح المشتركة والتحدي والمصير الموحد، إننا نقف اليوم أمام تحد وجودي ودومًا ندرك أن هناك مساحة عمل متاحة وفرصًا لا بد من اغتنامها والعمل عليها.

[email protected]