نيويورك- الدوحة- قنا:
يترأسُ حضرةُ صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفَدَّى، وفدَ دولة قطر المُشارك في اجتماعات الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستُعقد بمقر المنظمة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. وسيُلقي سمو الأمير المُفَدَّى، خطابًا في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة يوم الثلاثاء القادم الموافق 24 سبتمبر الجاري.
ويحرصُ حضرةُ صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفَدَّى على حضور الدورات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف تأكيد التزام دولة قطر بواجباتها الدولية، ونقل الصورة المُشرقة لدولةِ قطرَ وشعبِها، ودورِها الحضاري والإنساني تُجاه مُختلف القضايا والتحديات العالمية وتجاه الشعوب الشقيقة والصديقة.
وتبعثُ مضامينُ خطاباتِ سمو الأمير المُفَدَّى في الأمَم المُتحِدَة بالعديد من الرسائل المحليةِ والعربيةِ والدوليةِ والإنسانية، التي تؤكد في مُجملها أن قطرَ كانت وستبقى بعون الله كعبةَ للمَضْيوم ترعى الحقوقَ وتصونُ العهود وتُغيثُ المُحتاج، وتنصر المظلوم وتنتصر للحق والعدل، وتراعي حقَّ الجوار وتتمسك بالقيم والأخلاق، وتقدم للعالم نموذجا مشرقا للدولة الآمنة والمستقرة القادرة على تحقيق أعلى معدلات التنمية، وتوفير أرقى سبل الحياة الكريمة لشعبها وللمقيمين على أرضها. كما أظهرت خطابات سمو أمير البلاد المُفَدَّى أن دولة قطر تعتبر الإسهام في مجال الحل السلمي للنزاعات من أولوياتها، بما في ذلك طرح تصورات للأمن الجماعي، فلا أمن ولا استقرار ولا تنمية ولا حياة إنسانية كريمة في ظل النزاعات.
رؤى استراتيجية
وقدمت خطابات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفَدَّى في الأمَم المُتحِدَة، رؤى استراتيجية ثاقبة ومبادرات إنسانية فعَّالة، كما سلطت الضوءَ دائمًا على التزام دولة قطر بالسلام والإنصاف والوئام العالمي والنمو الاقتصادي، بالإضافةِ إلى تعزيزِ لغةِ الحوار والنقاش والدبلوماسية لإنهاء الحروب والأزمات حول العالم.
وفي خطاب سموه أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال سمو الأمير المُفَدَّى «كانَ لدينا في قطر حُلم بأن تكونَ بلادُنا من الأمم المزدهرة التي ينعم شعبُها بالرفاه والازدهار، واستثمرنا في تحقيق حلمنا هذا عقودًا من التخطيط والعمل التنموي الشامل. وقد حققنا الكثير بفضل من الله ثم بتكاتف الجميع في قطر. وفي الوقت الذي كان فيه الاستثمارُ في الغاز المسال رافعة لتحقيق هذا الحلم، مكَّننا هذا الاستثمارُ من أداء دور مُهم في مواجهة تحدي الطاقة حول العالم برؤية واقعية تأخذ في الحُسبان حاجة العالم إلى مزيج متنوع من مصادر الطاقة المُختلفة، وباستخدام أعلى مستويات التكنولوجيا المُتطورة الصديقة للبيئة في الوقت ذاته».
القضية الفلسطينية
واحتلت القضايا العربيةُ وفي مقدمتها القضيةُ الفلسطينية مساحاتٍ واسعة من خطابات سمو الأمير المُفَدَّى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد حرصَ سموه على الدوام على تأكيد عدالة قضية فلسطين وحق شعبها الشقيق في الحرية والاستقلال وبناء دولته المُستقلة، وانتقد سمو الأمير مرارًا وتكرارًا عجز المُجتمع الدولي، وعدم اتخاذه أية خطوات فعَّالة في مواجهة التعنُّت الإسرائيلي والاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية، إلى جانب فرض حصار خانق على قطاع غزة، والتوسع المُستمر في سياسة الاستيطان، وفرض سياسة الأمر الواقع. وشدد سموه على أنه لا يجوز أن يبقى الشعب الفلسطيني أسير تعسف الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني، ورفض الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة أي حل سياسي عادل وفق مبادئ الشرعية الدولية. ودعا سمو الأمير في خطاباته بالأمَم المُتحِدَة، المجتمعَ الدوليَّ -بخاصة مجلس الأمن- للقيام بمسؤوليته القانونية وإلزام إسرائيل بفك الحصار عن قطاع غزة وإعادة عملية السلام إلى مسارها من خلال مفاوضات ذات مصداقية، بحيث تقوم على القرارات الدولية وليس على القوة، وتتناول جميع قضايا الوضع النهائي، وإنهاء الاحتلال خلال مدة زمنية محددة وإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المُحتلة.
وشدد سمو الأمير على أنه على إسرائيل أن تعي أن أمنَ شعبِها لن يتحقق إلا بالسلام، وأن الاحتلال مصيره إلى الزوال، وأن عليها أن تعلم أن القهر وسياسة الأمر الواقع لا تصنع أمنًا، وأشار سموه إلى أنه في إطار سعي دولة قطر لتهيئة البيئة الملائمة للتوصل إلى السلام، والاستجابة للصعوبات الاقتصادية والإنسانية التي تواجه الأشقاء في فلسطين، فقد واصلت الدوحة بالتنسيق مع الشركاء الدوليين تقديمَ الدعم الإنساني والتنموي لمعالجة الاحتياجات العاجلة طويلة الأمد في قطاع غزة المُحاصر، وتعزيز مساهماتها لصالح وكالة «الأونروا» .
قضايا عربية
وحول الأزمة السورية شدد سمو الأمير في خطاباته على أنه لا يجوز التسليم بالظلم الفادح الواقع على الشعب السوري الشقيق كأنَّه قَدَر، مضيفًا أن هذه الأزمة ما زالت بانتظار تسوية شاملة من خلال عملية سياسية تؤدي إلى انتقال سياسي، وفقًا لإعلان جنيف 1- وقرار مجلس الأمن 2254، وبما يحقق تطلعات الشعب السوري، ويحافظ على وَحدة سوريا وسيادتها واستقلالها.
وعبَّر سموه عن الأسف لاندلاع العنف في السودان، ما ترك آثارًا خطيرة على الشعب السوداني الشقيق، وفاقم من أزمة اللاجئين وقال سموه أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة: «نحنُ نُدين الجرائم المُرتكبة ضد المدنيين في العاصمة الخرطوم وفي إقليم دارفور، وندعو لمحاسبة مرتكبيها، كما ندعو إلى وقف القتال والاحتكام لصوت العقل وتجنيب المدنيين تبعات القتال، ونؤكد دعمنا كافة الجهود الإقليمية والدولية، لتيسير التوصل إلى وقف القتال، والحوار بين القوى السياسية السودانية حول مستقبل السودان بجيش واحد فقط، يقوم بحماية البلاد ولا يحكمها».
وحول الأوضاع في لبنان الشقيق، أكد سمو الأمير في خطاباته أمام الأمَم المُتحِدَة ضرورة إيجاد حل مستدام للفراغ السياسي وإيجاد الآليات لعدم تكراره، وتشكيل حكومة قادرة على تلبية تطلعات الشعب اللبناني والنهوض به من أزماته الاقتصادية والتنموية، معربًا سموه عن الأسف لطول أمد معاناة هذا الشعب الشقيق، بسبب الحسابات السياسية والشخصية.
وفي الشأن اليمني أكد سمو الأمير في جميع خطاباته حرص دولة قطر على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، داعيًا سموه لتسوية الأزمة هناك بموجب قرارات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وفي الشأن الليبي عبر سمو الأمير المُفَدَّى عن دعم قطر الدائم لمساعي المُمثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المُتحدة للدعم في ليبيا وجهوده المبذولة لتحقيق نتائج ملموسة لحل الأزمة الليبية.
رهان استراتيجي
وفي خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفَدَّى أمام الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة، التي تزامنت مع ذكرى مرور خمسين عامًا على انضمام قطر إلى الأمم المُتحدة في الحادي والعشرين من سبتمبر 1971، أكد سموه أن العلاقة بين قطر والمنظمة الدولية خلال العقود الخمسة الماضية تميَّزت بالتعاون الوثيق، وإقامة شراكات نموذجية في مُختلف المجالات، فرهانُ قطر على المؤسسات الدولية والتعاون مُتعدد الأطراف هو رهان استراتيجي. وعكست خطابات سمو الأمير اعتزاز دولة قطر بشراكتها مع المنظمة الدولية، خاصة في ظل افتتاح «بيت الأمَم المُتحِدَة» في الدوحة، واستضافة قطر لعدد من المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر الأمَم المُتحِدَة الخامس المعنيّ بأقل البلدان نموًا، كما أظهرت خطابات سموه أن دولة قطر أصبحت ضمن قائمة أكبر الشركاء الداعمين للأمم المُتحدة في مُختلف المجالات، وقد امتدت مُساهماتها التنموية والإغاثية إلى أكثر من 100 دولة حول العالم، كما تدعم قطر ما يربو على 10 ملايين طفل حول العالم، وتبني قدرات 1,2 مليون شاب عربي ليكونوا فاعلين ومنتجين في مجتمعاتهم.
وخلال مشاركة سمو الأمير في الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة، ألقى سموه خطابًا أمام الاجتماع الذي عُقد بنيويورك بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الأمَم المُتحِدَة، حيث أكد سموه أن هذه الخطوة مثلت أملًا عظيمًا للبشرية بعد ويلات الحرب العالمية الثانية، مشيرًا سموه إلى أن الأمَم المُتحِدَة قطعت شوطًا كبيرًا في تحقيق الأهداف التي اتفق عليها المجتمع الدولي، وتمكنت خلال العقود المنصرمة من تقديم العديد من المساهمات من أجل تقدم البشرية، وإنقاذ الملايين من الأشخاص وجعل حياتهم أفضل، ولكنها ما زالت قاصرة عن إيجاد الآليات اللازمة لفرض مبادئها على أعضائها، حيث ما زال حق القوة يتفوق على قوة الحق في مناطق مختلفة من العالم.
وتناولت خطابات سمو الأمير أهمية تحقيق الإصلاح الشامل، ولا سيما مسألة تمثيل شعوب العالم في مجلس الأمن الدولي، وآليات تنفيذ قراراته، وتجنب ازدواجية المعايير في التنفيذ، ومراجعة النظام الداخلي الذي يعلق قضايا الأمن المُشترك بموقف أي دولة من ضمن خمس دول كبرى.
وفي سياق الحرص على أمن واستقرار منطقة الخليج خاصة، والشرق الأوسط بوجه عام وتجنيبهما المخاطر والتهديدات النووية أكد سمو الأمير في خطاباته على منبر الأمَم المُتحِدَة أن دولة قطر تؤمن بضرورة التوصل إلى اتفاق عادل حول البرنامج النووي الإيراني.
قضايا دولية
وفيما يخص الوضع في أفغانستان، أكد سمو الأمير المُفَدَّى أن دولةَ قطرَ تواصلُ تنسيقَ الجهود الدولية وتيسير الحوار بين الأمَم المُتحِدَة والدول المعنية، وحكومة تصريف الأعمال الأفغانية لضمان الالتزام باتفاق الدوحة، بما يضمنُ عدم تَكرار أخطاء الماضي، والحيلولة دون انزلاق أفغانستان نحو أزمة إنسانية يصعب التعامل معها، ولضمان حصول الشعب الأفغاني على ما يحتاجه من دعم ومساعدة دوليين، ويتمتع بحقوق الإنسان بما فيها حقوق الأقليات وحق المرأة في التعليم والعمل. وانطلاقًا من إدراك دولة قطر للمخاطر الناجمة عن الحرب في أوكرانيا وتداعياتها السلبية على العالم بأسره، في مجالات حيوية مثل الطاقة والغذاء، وفي غياب أفق لحل سياسي دائم، كرر صاحب السمو أمير البلاد المُفَدَّى -في خطاباته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة- الدعوة لجميع الأطراف من أجل الامتثال لميثاق الأمَم المُتحِدَة والقانون الدولي واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واللجوء إلى الحل السلمي الجذري على هذه الأسس.
مكافحة الإرهاب
وتأتي مكافحة الإرهاب ضمن أولويات سياسة دولة قطر على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وتناول سمو الأمير هذه المسألة أكثر من مرة في خطاباته أمام المنظمة الدولية، حيث أكد أن الإرهاب هو أحد أبرز التحديات التي يواجهها العالم لما يمثله من تهديد حقيقي للسلم والأمن الدوليين، وإعاقة تحقيق التنمية المستدامة للشعوب، وأظهرت خطابات صاحب السمو أمير البلاد المُفَدَّى في الأمَم المُتحِدَة، أن دولةَ قطرَ لا تدَّخرُ جهدًا في المشاركة الفاعلة في الجهود الدولية والإقليمية للتصدي لتلك الظاهرة ومعالجة جذورها ولا سيما من خلال دعم التعليم لملايين الأطفال والشباب والنساء وإيجاد فرص عمل للشباب، كما بينت خطابات سمو الأمير أن القضاء على الإرهاب يتطلبُ اعتماد نهج شُمولي يتضمن معالجة جذوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، جنبًا إلى جنب مع العمل الأمني والعسكري، وأن من الضروري التمييزَ بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال.
التغيُّر المُناخي
وفيما يتعلق بالتغيُّر المُناخي، أظهرت خطابات سمو الأمير المُفَدَّى أن دولة قطر اضطلعت بمسؤوليتها كشريك فاعل في المجتمع الدولي لمواجهة ظاهرة التغيُّر المُناخي، ففي عام 2012 استضافت الدورة الثامنة عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمَم المُتحِدَة الإطاريَّة حول تغيُّر المُناخ، كما استضافت منتدى الدوحة للكربون والطاقة، ولم تدَّخر جهدًا في إنجاح مفاوضات اتفاق باريس للمُناخ عام 2015، واتخذت العديد من الإجراءات لتطوير التقنيات المراعية لتغيُّر المُناخ وتبني الطاقة النظيفة وتنويع مصادرها لتشمل مزيجًا متنوعًا من مصادرها المُستدامة مثل الطاقة الشمسية والهيدروجين وطاقة الرياح والمصادر الهيدروكربونية، والاستخدام الأمثل للمياه، وتحسين جودة الهواء، وإعادة تدوير المُخلفات، وزيادة المساحات الخضراء.
كما أعلن سمو الأمير المُفَدَّى خلال قمة العمل من أجل المُناخ التي عقدت على هامش الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة عن مساهمة دولة قطر بمبلغ 100 مليون دولار لدعم الدول الجزرية الصغيرة النامية والدول الأقل نموًا للتعامل مع تغيُّر المُناخ والمَخاطر الطبيعية والتحديات البيئية، وبناء القدرة على مواجهة آثارها المدمرة.
وحول بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، وما للرياضة من دور في تحقيق التقارب بين البلدان والشعوب، أكد سمو الأمير المُفَدَّى في خطابه أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المُتحدة أن الفرصة سنحت خلال هذه البطولة للتفاعل بين الشعوب، وأتاحت للعالم أن يرى الشعوب العربية على سجيتها، وليتعرف على جوانب من ثقافتها وقيمها، وعلى مكانة قطر كوجهة عالمية تربط الشرق والغرب، كما أكدت دولة قطر من خلال تنظيمها لهذه البطولة على ما للرياضة من دور في مد جسور التواصل والتقارب بين الشعوب والثقافات، معربًا سموه عن الأمل في أن تكون قطر قد أسهمت عبر هذه البطولة في كسر القوالب النمطية، وقدمت للعالم صيغة جديدة للبطولات المُمتعة والآمنة.