بقلم /فيصل مكرم – صحفي وكاتب يمني
هل أنا ذكي؟، سأل الشاب الجامعي أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي على جهازِه (اللابتوب) فجاءه الرد أسرع مما كان يتوقع لا لست ذكيًا، فسأل تاليًا لماذا تقول: إنني لست ذكيًا؟، أجاب التطبيق: لو كنت ذكيًا لما سألتني، فبُهت الشاب الذي كان يحاول الاستعانة ببرامج الذكاء الاصطناعي للحصول على بحث علمي يجيز تخرجه في الجامعة بدرجة امتياز، أو هكذا قيل له إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي قادرة على منحه ما يريد أو على الأقل الإجابة عن كل أسئلته، لكنه أدرك أنَّ هذه التطبيقات من الذكاء لدرجة أنَّها شخصت غباءه من أول سؤال طرحه عليها، فقرر المضي قدمًا لتحقيق ما يهدف إليه، وبدأ يجيب هو عن أسئلة التطبيق التي تتعلق ببياناته العلمية، ثم عنوان البحث الذي يريد الحصول عليه، وبعدها تلقى الشاب الجامعي سيلًا من العناوين لبحوث جاهزة يمكنه اختيار ما يناسبه، فإذا به أمام متاهة من المعلومات المتباينة في بعضها والمتناقضة في البعض الآخر، ونادرًا ما أسفر تجواله في تلك المتاهة الرقميَّة عن الحصول على الزهيد من المعلومات والإجابات المتقاطعة، حيث وجد نفسه مضطرًا للاستعانة شبه الكاملة بها لتدوين بحثه، ومن ثم تقديمه لأساتذته على أنه ثمرة جهده في البحث وحصيلة ذكائه.
والحقيقة أن تطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي هي شكل من أشكال الثورة الرقمية، والتي تزخر بها كل يوم الشبكة العنكبوتيَّة وتدخل في سوق المنافسة التجارية على مُختلف الصعد في زمن تكنولوجيا الاتصالات، غير أن تطبيقات وبرامج الذكاء المتفق على تسميتها ب (الاصطناعي) لا تختلف عن أي ابتكار توصلت إليه البشرية قبل الثورة الرقمية التي بكل تأكيد حوّلت العالم الواسع والمترامي الأطراف على هذا الكوكب إلى قرية صغيرة في زمن قياسي من خلال أجهزة الاتصالات الذكية، وشبكات الإنترنت التي تتنقل بك حول العالم بسرعة الضوء والصوت وطرف العين، وهي بالتأكيد صناعة بشرية خالصة ولم تأتِ إلينا من كواكب أخرى أو عبر الأطباق الطائرة، فهي سلعة تجارية تستثمر فيها كبريات شركات التكنولوجيا في العالم المتقدم بمبالغ مهولة من التريليونات، ومنها بالطبع تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو صناعة الذكاء التي يلجأ إليها البشر الأقل ذكاءً، وتثير قلق الأذكياء بالطبع على اعتبار أنها قد تصبح بديلة للعقل الإنساني وقدرته على الإبداع الابتكار والخلق وتنال من حقه الطبيعي في البحث والتجديد، بل، وهناك فريق من العلماء يحذر من أن يكون لبرامج الذكاء الاصطناعي جوانب لا أخلاقية لجهة الاستعانة بها في تغييب القيم الإنسانية، وحتى النيل منها في مقتل عبر تسخير العلم لغير مواضعه، واستبدال المقدرة على الابتكار والتميز والطموح والمنافسة المشروعة بالحصول على ما تريد من خلال جهازك المحمول وهاتفك الذكي دون جهد ولا استحقاق.
ولعلَّ من البديهي أن نعلم أن برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتقنياتها المتطورة والمذهلة هي عمل بشري خالص من حيث الابتكار والتركيب وضخ المعلومات والوثائق والمؤلفات إليها لكي تصبح سلعة رائجة تُدر أرباحًا خيالية لتلك الشركات المحتكرة للتكنولوجيا الرقمية، فكيف لبشر أن يصنعوا ذكاءً لبشر مثلهم صنعوه، وهل يمكن للمجتمعات الإنسانية أن تتقبل أذكياء صنعتهم برامج وتطبيقات فباتوا يخضعون لها ويتفوقون من خلالها على الطبيعة الإنسانية وتفاعلها مع صيرورة الحياة والعلاقة بين البشر، والأخطر أن هذه التكنولوجيا قد تشكل خطرًا حقيقيًا على القيم والمُثل التي تحكم العلاقة بين مجتمعات العالم على اختلاف تفكيرهم وعقائدهم ومعتقداتهم، ما قد تؤدي إلى نتائج كارثية على مستقبل الأجيال القادمة التي يراد لها أن تعتمد كليًا على أجهزتها الذكية في التواصل والتعليم والتخاطب مع الآخرين، وحينها سيكون من الصعب أن تفرق بين الحق والباطل، وبين المعقول واللامعقول، وبين الأذكياء والأغبياء بمن فيهم أولئك الذين يديرون العالم ويتحكمون بمصائر البشر وعقولهم.
@fmukaram