إنما العلم بالتعلم
بقلم / د. سلطان بن عوض دريع
نعيش في هذه الأيام انتشارًا لحملة الشهادات وأهل العلم، والله تعالى أكرم العلماء فذكرهم في عدة مواضع من كتابه، ولكن كونه يذكر الكلاب المعلمة فهذا فيه شرف للعلم والتعليم فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} (المائدة: 4)، وثبت في الحديث الحسن عن معاوية بن أبي سفيان وأبي هريرة وأبي الدرداء رضي الله عنهم: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّما العِلمُ بالتَّعلُّمِ، والحِلمُ بالتَّحلُّمِ، ومَن يتحرَّ الخيرَ يُعطَه، ومَن يتوقَّ الشَّرَّ يُوَقَّه)).. أخرجه البخاري معلقًا في صحيحه بصيغة الجزم، والخطيب البغدادي والطبراني وغيرهم، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح والعيني والألباني وغيرهم، قال العلامة السعدي في تفسيره: دلت هذه الآية على عدة أمور؛ منها: طهارة ما أصابه فم الكلب من الصيد لأن الله أباحه، فيه فضيلة العلم، وأن الجارح المعلم -بسبب العلم- يباح صيده والجاهل بالتعليم لا يباح صيده، وأن الاشتغال بتعليم الكلب أو الطير أو نحوهما ليس مذمومًا وليس من العبث والباطل، بل هو أمر مقصود، لأنه وسيلة لحِل صيده والانتفاع به. وخرّج مسلم في الصحيح عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال: سمعتُ أبي يقول: «لا يستطاع العلم براحة الجسم». وقال القاضي عياض: فكثير من يسأل عن ذكره هذا الخبر في هذا الموضع وليس منه، ولا هو من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من شرط كتابه، فقال لنا بعض شيوخنا: إن مسلمًا رحمه الله أعجبه ما ذكر في الباب وعرف مقدار ما تعب في تحصيله وجمعه من ذلك فأدخل بينها الخبر تنبيهًا على هذا، وأن لم يحصِّل ما ذكر إلا بعد مشقة وتعب في الطلب، وهو بين والله أعلم. وقال النووي: سببه: أن مسلمًا رحمه الله تعالى أعجبه حُسن سياق هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبدالله بن عمرو وكثرة فوائدها، وتلخيص مقاصدها، وما اشتملت عليه من الفوائد في الأحكام وغيرها، ولا نعلم أحدًا شاركه فيها، فلما رأى ذلك أراد أن ينبه من رغب في تحصيل الرتبة التي ينال بها معرفة مثل هذا فقال: طريقه أن يكثر اشتغاله وإتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم. على الإنسان أن يجتهد في تحصيل العلوم النافعة حتى ينال أعلى المراتب وينفع الله به الإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء، ونسأله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا ويزيدنا علمًا إنه هو العليم الحكيم.