ظلّ الناسُ يتساءلون لفترة عن السبب وراء إعادة إنتاج فيلم «الفتاة ذات وشم التنّين» باللغة الإنجليزية!! الفيلم السويدي الأصلي المبنيّ على الروايات الشهيرة لـ «ستيغ لارسون» لم يمضِ على إنتاجه سوى فترة بسيطة، كما أنّه حقّق نجاحًا كبيرًا على مستوى العالم، ناهيك عن ذكر أنّ الأمر يتطلّب متابعة إنتاج فيلمين آخرين، فالسلسلة تتألّف من 3 أفلام، فما الدافع لكل ذلك؟!
المُخرج المبدع «ديفيد فينتشر» والكاتب «ستيفِن زيليان» قاما بعملٍ مُبهر بإحياء هذا الفيلم. إنّهما لا يتجاهلان الفيلم الأصلي أو يعيدان صياغته أو يحاولان تقليده، بل يبنيان فيلمهما عليه، كما لو أنّهما يرمّمان مبنىً قديمًا.
النتيجة هي فيلم أفضل من الفيلم السويدي وأكثر سينمائيّة، حيث إن الفيلم السويدي أنتِج خصّيصًا للتلفزيون، وعُرض كحلقات متتابعة. هذا الفيلم مدّته تتجاوز ساعتين ونصف الساعة، والمفترض أن تتم مشاهدته دُفعة واحدة دون انقطاعات، وهذا ما فعلتُه أنا تمامًا. ليس هناك أي مشهد ضائع أو وقت فراغ لا معنى له. هذا هو أسلوب «ديفيد فينتشر» المُدهش والمُميّز في أفلامه الطويلة.
تدور الأحداث حول «ميكيل» وهو صحفي متّهم بالتشهير الكاذب، يتم تعيينه من قبل رجل عجوز غني للتحقيق في سر اختفاء ابنة أخيه منذ 40 عامًا، وتساعده في ذلك «ليزبيث» الشابّة الخبيرة في اختراق الحواسيب.
طريقة بناء النص السينمائي جميلة ومبتكرة بدمجها لقصّتين معًا دون تشتيت المشاهدين، وأقصد بذلك قصة كل من «ميكيل» و«ليزبيث» ، كما أنّ المونتاج كان رهيبًا وفي غاية الإتقان، وقد فاز الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل مونتاج في عام 2011، وترشّح لـ 4 جوائز أخرى لأفضل ممثلة «روني مارا» وأفضل تصوير وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية.
أحيانًا بعض الأفلام لا يتمّ تقديرها كما ينبغي، و «شعور الرضا والاقتناع» الذي يقدّمه الفيلم للمُشاهدين هو نتيجة تعود كلّيًا لأسلوب إنتاجه الاستثنائي، في اختيار الممثلين والطاقم الفني، وفي تناول القصّة والحبكة، وفي طريقة التنفيذ لحظة بلحظة.
هذا هو أحد تلك الأفلام، وللوهلة الأولى قد يبدو كأي فيلم جريمةٍ معتاد، ولكن ما يحدث هو أنّ «ديفيد فينتشر» يحوّله إلى رحلة تقشعر لها الأبدان في نفوس الشخصيات وأسلوب حياتهم، ويجعلنا نعيش في داخلهم، ونشعر بالقسوة والظلم والاستغلال. حين قام «ديفيد فينتشر» بإخراج هذا الفيلم لم يكن قد شاهد الفيلم السويدي الأصلي، فقد تعمّد ذلك، واعتمد فقط على الرواية، وأرى أنّ قراره كان حكيمًا جدًّا.

 

[email protected]
Twitter: @alqassimi88