سطور شاردة …. بيع الوهم
لا شك أيها القارئ الكريم أنك تصادفت في كثيرٍ من المرات مع إعلاناتٍ تتعلق بما يسمّى ب «دورات التنمية البشرية»، أو أنه دعاك أحد لحضور دورةٍ في مجال التنمية البشرية، أو أن «المدرب العالمي فلان» سيقدم دورةً حول موضوع تنمية الذات، أو التحفيز، أو مفاتيح النجاح العشرة، أو غيرها من العناوين البراقة المثيرة التي نسمعها دائمًا.
فقد انتشرت مؤخرًا هذه الدوراتُ وذاع صيتها بشكل كبير جدًا، مستفيدة بذلك من مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب روّادها. والسؤال هنا: هل فعلًا هذه الدورات لها تأثير إيجابي على المتلقي أم هي مجرد كلام مرسل لا علم فيه ولا فائدة؟
وسأحاول، أيها القارئ العزيز، في هذه المقالة أن أدلي برأيي المتواضع في الموضوع بحياديةٍ، خصوصًا أنني خضت هذه التجرِبةَ ودخلت عدة دورات، كما أنني حاولت أن أقرأ بعض الكتب التي تندرج ضمن مجال التنمية البشرية.
فقد لاحظتُ أن بعض الدورات هي دورات مفيدة، حيث إنها تقدم معلوماتٍ علميةً مبنيةً على المنهج العلمي وتتأسس على الدراسات الصحيحة لتوجيه المتلقين ودعمهم نفسيًا وبيان استراتيجيات معينة قد تفيدهم في تجاوز المشاكل وتحفزهم على النجاح إلى حدٍ ما.
لكن بالمقابل توجد دورات وكتب، وهي الأكثر، لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وإنما مجرد حشو لكلام إنشائي لا فائدة منه، لا تعدو أن تكون ثرثرة بلا أية أسس ولا منهجية، فقط الضحك على الذقون والنفخ في الكلمات والعبارات وتنميقها، فتسمع أن الذي سيقدم هذه الدورة هو «المدرب الدولي والعالمي فلان» بلباسه الأنيق وقلمه المرصوص على جيب سترته، وبسيرته الذاتية التي تتضمن عددًا غير منطقي من الشهادات والاعترافات الوطنية والدولية في هذا المجال. ولكن ما إن تبحث عن مصدر شهادة المدرب التي حصل عليها، فلا تجد إلا أنها شهادة تُشترى من الإنترنت عبر مِنصاتٍ لا أساسَ أكاديميًا أو علميًا لها، أو أنه أخذها من نصّابٍ سبقه لهذا.
بل إنهم يوهمونك أنك إذا تلقيت عندهم عددًا معينًا من الدورات ودفعت مقابل ذلك ستحصل على شهادة «خبير» في التنمية البشرية، وإذ تحفزت ودفعت أكثر وحضرت معهم ساعات أخرى فستترقى لمرتبة «بروفيسور» ثم «بروفيسور دولي»، وهكذا يبيعون لك الوهم وتظل تسير خلفهم بلا عقل، تظن نفسك فيلسوف زمانك وأنت تضع في سيرتك الذاتية عبارة «حاصل على شهادة بروفيسور في التنمية البشرية»!
إن «علم التنمية البشرية» في عصرنا هذا هو علم من لا علم له، فكل فاشل وكل عاطل لم يجد له مَيدانًا للاسترزاق يذهب لهذا المجال، لأنه مجال لا يحتاج إلا للقدرة على الكلام وإيهام الأغبياء، فهذا يحاضر حول قانون الجذب، وذلك حول العلاج بالطاقة، والآخر حول كيفية تحقيق الربح المادي! وهنا أستغرب كيف لشخصٍ يطلب من الناس أن يعطوه خمسة دولارات لحضور دوراته أن يحاضرَ في وسائل الربح وتحقيق الثروة، كما يقول الشافعي رحمه الله:
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السقامِ وَذي الضَّنا .. كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وباختصار، فإن ما يمكن الخروج به كخلاصة هو أن هناك من يحاضر ليقدمَ النصح للناس ويحفزهم ويقدم لهم معلوماتٍ مفيدةً في حياتهم الخاصة والعامة وَفق أسس وقواعد علمية، وهذا النوع قليل جدًا. لكن الغالب في هذا المجال هو الوهم والكذب واستغباء الناس لأخذ أموالهم بطرقٍ حديثةٍ، وهو أخطر أنواع النصب، حين يأتيك النصاب بلباس أنيق ويدعي أنه سيقدم لك العلم، في حين أنها عبارة عن عروضٍ تتخللها صور يقرؤها عليك عن ظهر قلب بلا فَهمٍ ولا أسسٍ.