إسطنبول – قنا:
شهدت تركيا خلال السنوات الأخيرة إقبالا كبيرا على تعلم اللغة العربية، بلغ مستويات قياسية، لا سيما بعد الانفتاح التركي الأخير على الدول العربية، خاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى السلطة في عام 2002، وما رافق ذلك كله من اهتمام حكومي داعم ومشجع على تعلم العربية.
وأصبحت اللغة العربية شائعة في كل مكان في تركيا. ففي مدينة إسطنبول ـ كبرى المدن التركية وأكثرها عراقة وشهرة ـ تشهد إقبالا منقطع النظير على المراكز والمعاهد التي تعلم اللغة العربية، إضافة إلى افتتاح كليات العلوم الإسلامية والأدب العربي والترجمة في العديد من الجامعات التركية التي تقدم سنة تحضيرية كاملة لتعليم اللغة العربية أيضا.
كما أن هناك مراكز مهمة أخرى لتعليم اللغة العربية في تركيا، منها أكاديمية إسطنبول، التي تعد واحدة من المراكز المعنية بتعليم علوم اللغة العربية والعلوم الإسلامية معا التي يرأسها محمد غريشته حاليا.
وقال محمد غريشته، رئيس أكاديمية إسطنبول في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن الأكاديمية باتت في السنوات الأخيرة بمثابة جسر تواصل مع العديد من بلدان العالم تجاوز حدود تركيا، وذلك من خلال فعاليات تعليم لغات عالمية، وأنشطة الترجمة.
ونوه إلى أن الأكاديمية تولي اللغة العربية أهمية كبيرة، مقارنة بنظيراتها من اللغات الأخرى، إذ بلغت المؤلفات التي ترجمتها من التركية إلى العربية فقط منذ عام 2018 حتى 2023 ما يقارب من ألف مؤلف.
و أضاف:” 70 بالمئة من المؤلفات تعنى بأدب الأطفال و25 بالمئة في تخصص القصص والراويات و5 بالمئة في مجالات التاريخ والسياسة والكتب الدينية.
وأوضح غريشته أن فعالياتهم بمجال النشر، تتركز بشكل أكبر على مؤلفات أدب الأطفال، وتستهدف الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 11 و15 عاما، مشيرا إلى أن أكاديميتهم من خلال فعالياتها وبرامجها، ساهمت بالتعريف بالأدب التركي ومؤلفاته خارج تركيا، ولغير الأتراك المقيمين داخل البلاد.
ويعتبر الأدب الموجه للأطفال والشباب كتابة أدبية ذات أهمية بالغة وصبغة خاصة، نظرا إلى كونها تستهدف شريحة مجتمعية تشكل جيل المستقبل، من خلال تمكين الشريحة الناشئة من تملك القيم الإنسانية والمبادئ الفضلى في قالب أدبي يمزج ما بين التربية والتثقيف والتسلي.
يشار إلى أن أكاديمية إسطنبول تعتبر من أهم المراكز التعليمية أيضا -وفق التصنيفات المرئية في صفحات الإنترنت- فهي مركز يهتم بتدريس اللغات العربية والأجنبية، ولديه كادر ذو خبرة واسعة في قضايا تعلم العربية وتعليمها وكيفية تدريسها لغير الناطقين بها.
ويتقاسم الأتراك والعرب روابط تاريخية وثقافية عميقة قائمة على الثقافة الإسلامية المشتركة وأهمها تعلم اللغة العربية في المجتمع التركي والتي تعتبرها تركيا جزءا من موروثها التاريخي.
وأصبحت اللغة العربية خلال السنوات الأخيرة مادة اختيارية في المدارس التركية بعد أن كانت محصورة في المؤسسات الدينية لفترة من الزمن، بالمقابل أعلنت بعض الجامعات التركية عن إدراج بعض التخصصات الأدبية والعلمية باللغة العربية لتواكب كثرة الطلاب العرب الراغبين في الدراسة بجامعاتها. وبات هناك أكثر من مليون طالب يتعلمون العربية في مدارس الأئمة والخطباء، إضافة إلى افتتاح العديد من التخصصات الجامعية بالعربية سواء حكومية أو أهلية.
كما بدأت رسميا بعض المدارس التركية بإضافة حصص لتدريس اللغة العربية ضمن منهاجها بمعدل حصتين إلى خمس حصص أسبوعيا في بعض المدارس، كما يتم التركيز على تنظيم العديد من الأنشطة الجانبية لمساعدة الطلاب على اكتساب اللغة بشكل أسرع، مثل تنظيم مسابقات رياضية وعلمية وترفيهية.
كما لوحظ أيضا زيادة حضور اللغة العربية من خلال كثير من الفعاليات الموجهة للعرب خاصة، إذ وصل عدد العرب المقيمين في تركيا إلى نحو 8 ملايين نسمة، وزاد حضورها بازدياد أعداد المكتبات العربية ودور النشر، وبكثرة عدد المترجمين من اللغة العربية وإليها في معظم المؤسسات التركية.
وتشتهر بعض مدن تركيا بأنها تتحدث اللغة العربية إلى جانب اللغة التركية، حيث يتمركز غالبية الأتراك ذوي الأصول العربية في الأقاليم الجنوبية من تركيا، وتحديدا في هطاي، غازي عنتاب وشانلي أورفه وغيرها.
وتبلغ نسبة المتحدثين باللغة العربية 1.2 بالمئة من السكان الأتراك، حيث إن معظم هؤلاء المتحدثين هم من المتحدثين بلغتين هما العربية والتركية، أما عن عدد المواطنين من أصل عربي في تركيا فيُذكر أنّه يصل إلى ما يُقارب 1.5 مليون مواطن، ومن هنا ظهرت مدن تركية تتحدث اللغة العربية.
وعلى مدار السنوات الماضية، استضافت إسطنبول معارض للكتاب العربي، شهدت إقبالا كبيرا، وباتت حدثا ثقافيا مميزا يحضره الأتراك والعرب من داخل تركيا وخارجها.