الدوحة – موقع الراية :

نشرتْ صحيفةُ “نيويورك تايمز” الأمريكية، تقريرًا مطوّلًا، يكشف عن التفاصيل التي وُصفت ب”المُهولة والصّادمة” لعددِ من الأطباء والمُمرضين، ممّن عملوا في مستشفيات غزّة، في ظل العدوان الذي يواصلُ الاحتلال الإسرائيلي شنّه على القطاع.

وأكدت شهادات الأطباء والمُمرضين أنَّ العديد من الأطفال الذين تم معاينتهم أصيبوا بطلقات نارية في الرأس والصدرِ، بالإضافة إلى مُعاناة الكثير من الحالات من سوء التغذية الحاد سواء من المرضى أو العاملين الفلسطينيين في المجال الطبي وعامة السكان.

ووصفوا حال الأطفال في غزة بالقول؛ لا ابتسامات ولا تواصل بالعينين؛ حتى إنهم لا يلعبون مثل الأطفال العاديين.

ويقول د. مارك بيرلماتر: جراح تقويم عظام، 69 سنة، روكي ماونت، نورث كارولاينا: “رأيت العديد من الأطفال المصابين بطلقات نارية في الرأس والصدر”، كما قال د. عرفان غالاريا: جراح تجميل وترميم، 48 سنة، شانتيلي، فيرجينيا :”قدّم فريقنا الرعاية لحوالي أربعة أو خمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و8 سنوات أصيبوا جميعًا بطلقة واحدة في الرأس، كانوا قد جاؤوا جميعًا إلى غرفة الطوارئ في وقت واحد، وماتوا جميعًا”.

طلقة نارية بالجمجمة

يقول د. محمد رسول أبو نوار: طبيب مختص في الجراحة العامة وجراحة السمنة، 36 سنة، بيتسبرغ، بنسلفانيا : “في إحدى الليالي، رأيت في قسم الطوارئ على مدار أربع ساعات ستة أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و12 سنة، جميعهم مصابون بطلقة نارية واحدة في الجمجمة”.

أما نينا ن.غ: ممرضة طوارئ، 37 سنة، نيويورك، فتقول “كان الأطفال المصابون بطلقة نارية يعالَجون على الأرض، وغالبًا ما كانوا ينزفون على أرضية المستشفى؛ بسبب ضيق المساحة وغياب المعدات والموظفين والدعم، توفي العديد منهم في غياب الرعاية”.

وقال د. نضال فرح: طبيب تخدير، 42 سنة، توليدو، أوهايو: “رأيت العديد من الأطفال المصابين، وبحسب خبرتي فإن الجرح كان ناتجًا في الغالب عن طلقة نارية في الرأس، وأصيب العديد منهم بتلف دماغي غير قابل للشفاء. لقد كان وصول الأطفال إلى المستشفى مصابين بجروح من طلقة نارية في الرأس أمرًا شبه يومي”.

سوء التغذية

ولاحظ 63 من الأطباء والممرضين والمسعفين سوء التغذية الحاد لدى المرضى والعاملين الفلسطينيين في المجال الطبي وعامة السكان.

وقالت ميريل تيدينغز: ممرضة طوارئ ورعاية مركزة، 44 سنة، سانتا في، نيو مكسيكو: “كان الناس يتضورون جوعًا، لقد تعلمت بسرعة كبيرة ألا أشرب الماء أو أتناول الطعام الذي أحضرته أمام العاملين في مجال الرعاية الصحية؛ لأنهم قضوا أيامًا عديدة من دون طعام”.

إلى ذلك، قالَ د. ديبورا وايدنر: طبيبة نفسية للأطفال والمراهقين، 58 سنة، هارتفورد، كونكورد “كان المرضى يعانون من النحافة الشديدة، وكان بإمكاني أن أرى أن سراويلهم كانت كبيرة جدًا عليهم، وأحزمتهم كانت مشدودة”.

اضطرابات نفسية

52 من الأطباء والممرضين والمسعفين لاحظوا وجود اضطرابات نفسية لدى الأطفال الصغار، وشاهدوا بعض الأطفال الذين لديهم ميول انتحارية أو قالوا إنهم يتمنون الموت.

وقالت لورا سوبودا: ممرضة جروح، 37 سنة، ميكون، ويسكانسن: “في إحدى المرات التي كنت أقوم فيها بجولات على المصابين بجروح في جناح الأطفال، أمسكت رئيسة الممرضات بذراعي وتوسلت إلينا أن نحضر لهم مساعدة نفسية في المرة القادمة”.

أما د. فيروز سيدهوا: جراح صدمات ورعاية مركزة وجراح عام، 42 سنة، لاثروب، كاليفورنيا، فقالت: “استمتع معظم الأطفال بالتأكيد بلحظات من السعادة، لكنهم كانوا بشكل عام خائفين ومتوترين ويائسين وجائعين وعطشى ومشوشين. أحد الأطفال المصابين بجروح خطيرة، وهو طفل صغير بُترت ساقه اليمنى وكانت ذراعه اليمنى وساقه اليسرى مكسورتَين، سأل والدته بشكل متكرر لماذا لم يمت مع أفراد عائلته الآخرين”.

وحسب د. مارك بيرلماتر، فقد قال الكثيرون: إنهم تمنوا أن تصيبهم القنبلة التالية لتضع حدًا لعذابهم”.

وقال د. طلال علي خان: طبيب أمراض كلى، 40 سنة، أوكلاهوما سيتي، أوكلاهوما: “الأطفال في غزة ليسوا كالأطفال العاديين، لا ابتسامات ولا تواصل بالعينين؛ حتى إنهم لا يلعبون مثل الأطفال العاديين، لقد رأيتهم يجلسون ويحدقون في أيديهم أو في زجاجات المياه، ولا يرغبون في التفاعل مع أي شخص”.

أسباب الموت

أكَّدَ 25 من الأطباء والممرضين والمسعفين أنهم عاينوا أطفالًا كانوا قد وُلدوا بصحة جيدة يعودون إلى المستشفيات، ويموتون بسبب الجفاف أو الجوع أو العدوى الناجمة عن عدم قدرة أمهاتهم اللاتي يعانين من سوء التغذية على الإرضاع بشكل طبيعي ونقص حليب الأطفال والمياه النظيفة.

أما مونيكا جونستون: ممرضة عناية مركزة للحروق والجروح، 45 سنة، بورتلاند، أوريغون، فقالت: خرجت إحدى الأمهات من المستشفى بعد ساعتين من الولادة، ورأيتها وأنا في طريقي إلى المستشفى بعد بضعة أيام وكانت تتوسل إليّ للحصول على حليب للأطفال؛ لأنها لم تستطع إنتاج ما يكفي من الحليب”.

الموت بالعدوى

شاهد 53 طبيبًا وممرضًا ومسعفًا العديد من الأطفال الذين يعانون من عدوى يمكن الوقاية منها بسهولة، وتوفي بعضهم بسببها.

وقال الأطباء: إن الأطفال الذين يعانون من إصابات بسيطة نسبيًا، بما في ذلك الكسور والحروق، توفوا نتيجة إصاباتهم رغم أنه كان من السهل إنقاذهم حتى في الدول النامية”.

قالَ ويلهيلمي ماساي، ممرض عناية المركزة وصدمات، 50 سنة: “أدى الافتقار التام للمعدات الطبية والإمدادات إلى وفاة المرضى بسبب عدوى كان من الممكن الوقاية منها”.

مسكّنات الألم غير متوفرة

لاحظ 64 طبيبًا وممرضًا ومسعفًا أنه حتى أبسط الاحتياجات الطبية، مثل الصابون والقفازات، كانت عادة غير متاحة في غزة.

وقالوا” “لا توجد أغطية للأنابيب الوريدية المركزية، ما يتركها معرضة للجراثيم. ولم يكن هناك صابون أو مطهر لليدين. ولم يكن هناك إمدادات لتنظيف المرضى في الفراش بعد التغوط. لقد قمت بتنظيف البراز باستخدام القطن، وكان ذلك مروعًا للغاية”.

وأضافوا: “لو لم يكن هناك إمدادات طبية أحضرناها معنا، لما كان هناك أي شيء يمكن استخدامه. لقد كانت معدلات الإصابة بالأمراض والوفاة الناتجة فقط عن نقص الصابون والتعقيم كبيرة لدرجة لا يمكن قياسها.

بريندا مالدونادو، مُمرضة طوارئ، 58 سنة، فانكوفر، واشنطن قالت: “كان الأطفال والرضع يأتون وهم مصابون بحروق البارود من المتفجرات – والتي تسبب ألمًا شديدًا – ولم يكن لدينا أي من مسكنات الألم المناسبة، أو مرهم الحروق لوضعه على جروحهم”.