كتاب الراية

بيني وبينك.. حسبُنا الله ونِعم الوكيل

كلّما فجّرتْ صواريخُكم أحياءَهم وبيوتَهم، ضوّأتْ من الحُزن فرحًا ولو بعدَ حين. وكلّما دمّرتْ طائِراتكم الأسقفَ وهدّمت الجُدرانَ على رؤوس ساكنيها، ستنبتُ من دماء الشّهداء وردةٌ تملأ الأرض من أقطارِها بعبقها الّذي سيُزكِمُ أنوفَكم. وكلّما امتلأ المكانُ برائحة الدُّخان سينتشر الشّذى والرَّيحان ولو في القلوب الثّاكلة اليتيمة، الّتي لا تدرونها ولا تعرفونها، وأنَّى لكم أنْ تشعروا بما يضجّ بين جنباتِها!!

كلّما انتشرتْ جثُثهم على الأرصفة، وتبعثرتْ أشلاؤهم على الطّرقات، وملأتِ الصّرخات المرعوبة أرجاء المكان، وتداعتِ الأكلة من الوحوش إليها لتنهشَ ما تبقّى من لحمٍ على وضمٍ، سيقول أهل غزّة: حسبنُا الله ونِعم الوكيل.

كلّما انخلعت القلوبُ لأصوات الصّواريخ الفتّاكة، ستنخلعُ قلوبُكم يومًا وإنْ كان في علم الله، لهتاف أهل غزّة: حسبُنا الله ونِعم الوكيل!

كلّما اسْودَّت اللّيالي، وتوالت المِحن، وتداعتِ الخطوب، وبلغتِ القلوبُ الحناجر، واستحَرَّ القتلُ في المؤمنين، وانتُهِكت البيوت والميادين، ستسمعون صوتَ أملِ أهل غزّة ويأسِهم معًا، صوتَ بَردِهم وحَرّهم، ليلِهم ونهارهم الّذي لم يعدْ نهارًا، حُزنِهم وفرحِهم الّذي لم يأتِ، مالِئًا فضاء التّخاذل والرّجاء: حسبُنا الله ونِعم الوكيل!

إنّها أكثرُ من ثلاثمئةٍ وسبعين يومًا ولا راحة، لهاثٌ خلفَ الأبناء ليجمعوا ما تبقّى منهم، إنّها ثلاثةَ عشر شهرًا على الموتِ الّذي لم يشبع، وعلى القتل الّذي لم يتوقّف، وعلى قلّة النّصير، وعلى كثرةِ الآكِلين، وتَجَمهُر المُتآمِرين، ومع ذلك سيظلّ أهل غزّة يُطلِقون نشيدَهم الجريح، ونزيفهم الذّبيح في عبارةٍ تختصر هذا الوجع كلّه: حسبُنا الله ونِعم الوكيل.

إنَّ الله الّذي قَدّر البلاء هو الّذي سيرفعه، والّذي قدّر الرّعب هو الّذي سيُحوّله إلى طُمأنينة، والّذي كتبَ الجوعَ سيكتُب الشِبَع، والّذي جعل الظمأ سيجعل الرِّيّ، وإنّ طعام الله وشرابَه غير طعامكم وشرابكم، وإنّ سكينته وطمأنينته ليستْ بيدِكم ولا حَوْلِكم مهما ظَنّ أهل اليأس أنّها كذلك، ونحن أهل الأمل، وسنظلّ نهتف: حسبُنا الله ونِعم الوكيل.

إنّه الله، وإنّه خالِقُ كلّ شيءٍ ومُقدِّرُه، والقادر على أنْ يُحيل جهنّمَنا جنّة، وجحيمَنا روضة، وإنّنا لا نعرفُ نصيرًا اليومَ سِواه، بعدَ أنْ تُرِكْنا وحدَنا، ولم تُعطونا إلاّ ظهورَ خذلانكم، أيُّها البُعدَاء ألا فارتعوا في لهوكم، وخوضوا في لَعِبكم، ولا نقول إلاّ: حسبُنا الله ونِعم الوكيل!

يا الله… يا مَنْ بيده كلّ شيء، لقد ضلّتِ الأعرابُ، وكفرتِ الأتراب، ورتعتِ الأحباب، وعاثتْ في رقابِنا الأغراب، وتنكّرتْ لنا الأحسابُ، ولم يبقَ في قوسِ الصّبر مَنْزَع، إلاّ أنْ تكونَ رحمتك، وإنّها لقريبةٌ من المُحسنين، وإنّا لنقول رغم كلّ ما أحاطَ بنا، وما أصابنا من لَأْواء: حسبنُا الله ونِعم الوكيل!

 

AymanOtoom@

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X