النخيل في قطر.. ارتباط وثيق بالهوية والثقافة وعنصر تنموي مستدام
الدوحة – قنا:
ترتبط أشجار النخيل ارتباطا وثيقا بالتراث والهوية الوطنية لدولة قطر، حيث ترمز شجرة النخيل الباسقة إلى سخاء المجتمع القطري ونبله وكرمه، فالنخلة تعد إحدى الأشجار الرئيسة في البيئة القطرية، وقد عزز مكانتها ورود ذكرها في القرآن الكريم.
وفي هذا السياق نوه السيد محمد سعيد البلوشي خبير التراث في وزارة الثقافة، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إلى رمزية أشجار النخيل باعتبارها عنصرا ثقافيا تنمويا ومستداما “يشمل جملة المعارف والممارسين أصحاب مزارع نخيل التمر والمزارعين الذين يزرعون فروع النخيل ويشذبونها، والحرفيين الذين ينتجون المنتجات التقليدية باستخدام أجزاء مختلفة من شجرة النخيل، وتجار التمر، والمبدعين وفناني الحكايات والقصائد المرتبطة بها”.
وقال البلوشي: إن دولة قطر خلال مشاركتها في الدورة السابعة عشرة للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة /اليونسكو/ التي عقدت خلال الفترة من 1 إلى 4 ديسمبر 2022 بمدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية، نجحت في الانضمام إلى الدول المسجلة لملف “النخلة.. المعارف والمهارات والتقاليد والممارسات” في قائمة التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”.
وأشار إلى أن النخلة ارتبطت بالأدب الشعبي، ولطالما ذكرها شعراء قطر في أشعارهم وأهازيجهم، وارتبطت بالتراث الشعبي سواء في القصص والحكايات الشعبية، أو في الاعتماد عليها في عدد من الحرف والصناعات التقليدية، مؤكدا أن الأهمية الثقافية لنخيل التمر وانتشاره عبر القرون جعل منه جسر تواصل وحوار ثقافي كوني بين الشعوب والمجتمعات الإنسانية، وتثبت مدى التزام المجتمعات بصونه ويتحقق ذلك من خلال المشاركة الجماعية في العديد من الأنشطة المتعلقة بالنخلة.
وأضاف خبير التراث في وزارة الثقافة أن العديد من دول منطقة الخليج العربية تستثمر في ابتكار أنماط سياحية جديدة قائمة على إدماج الحرف والصناعات التقليدية مثل الخوص أو السعفيات وتراث النخلة ضمن نمط السياحة لهذا أضحت قرى ومنتجعات وشواطئ النخيل السياحية واجهة لمجموعات كبيرة من السياح الباحثين عن تجربة سياحية تراثية فريدة.
وأفاد بأن عدد أشجار النخيل في قطر يتراوح بين 650 إلى 700 ألف شجرة، تمثل نسبة 17 في المئة من مجمل الأراضي الزراعية في البلاد، موزعة في مختلف المناطق، بناء على تقرير وزارة البلدية المنشور في 20 يوليو 2021.
وأكد السيد محمد سعيد البلوشي حرص دولة قطر على دعم وتشجيع الإنتاج المحلي من كافة المنتجات الوطنية ومن بينها الرطب حيث تنظم إدارة سوق واقف بالتعاون مع إدارة الشؤون الزراعية بوزارة البلدية مهرجان الرطب المحلي، مشيرا إلى أن هذه المهرجانات تأتي في إطار الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة لدعم وتشجيع الإنتاج المحلي من كافة المنتجات الوطنية، ومن بينها الرطب، والتمور، وذلك بهدف دعم الجهود الرامية لتحقيق الأمن الغذائي، وتطوير قطاع الزراعة بما فيها النخيل، ودعم أصحاب المزارع والمهتمين.
وأشار خبير التراث في وزارة الثقافة إلى أن النخلة تمثل في قطر والمنطقة العربية منذ عدة قرون مصدرا للعديد من الحرف والصناعات التقليدية، والعادات الاجتماعية، وثقافة المأكل والمشرب، باعتبارها أحد الأشكال الرئيسة للتغذية، منوها بأن الاعتراف الدولي بنخيل التمر كتراث عربي وإنساني كوني لم يأت من فراغ، إذ يتوافق مع المعايير الخمسة للقائمة التمثيلية للتراث غير المادي للبشرية.
وتابع البلوشي أن أشجار النخيل رافقت الإنسان العربي ضمن مختلف مراحل تطور الحضارة العربية والإسلامية، حيث اقترنت بالصحراء وعالم البدو، قبل أن تنتقل فيما بعد نحو عالم المدينة، ولو في إطار ثقافي، ليحتفي بها الأحفاد اليوم كتراث إنساني حي ومستدام، لافتا إلى أن التمور شكلت منذ القدم المنتج المركزي في عالم الصحراء بعد حليب الإبل، وأساس المقايضة والتبادلات الاقتصادية والتجارية بين المجموعات البشرية من المشرق إلى المغرب، واليوم، تعد التمور العربية من أجود وأندر وأغلى أنواع التمور العالمية.
وأكد أن الأنشطة والصناعات التراثية المرتبطة بالنخيل تسهم في تنشيط السياحة التراثية والبيئية بالمجتمعات العربية، وتعزيز التعايش والحوار بين الثقافات الإنسانية المختلفة، موضحا أن دولة قطر ودول الخليج العربية حرصت على تثمين تراث نخيل التمر، من خلال الاحتفال بالمواسم والمهرجانات ودعم وهيكلة الحرف والصناعات، والعادات المرتبطة بالنخيل.
وبين أن المجتمع المدني ممثلا في أصحاب المزارع قد لعب دورا محوريا في صون تراث النخلة، وضمان الاحتفاء العالمي بها، وقد أخذ أصحاب المزارع والمستثمرون على عاتقهم مهمة نشر الوعي في المجتمع بأهمية حماية النخلة وتثمين منتجاتها والحرف والصناعات المرتبطة بها، وذلك بالتعاون مع وزارة البلدية، ووزارة الثقافة، مشيرا إلى أن هذا التعاون أثمر زيادة أعداد النخيل وإدراجها ضمن المخططات التنموية المحلية، وإشراك أصحاب المزارع والأفراد وتوعيتهم بأهمية تراث وثقافة النخلة في صون الهوية المحلية والوطنية، وربط تراث الأجداد بمتطلبات وتحديات روح العصر ودعم المبادرات الثقافية والاجتماعية، بوصفها ركيزة تراثية وتنموية مستدامة، ويمكن اعتبار هذه المعادلة سر نجاح مبادرات تثمين تراث وثقافة نخيل التمر بالمنطقة العربية وإدراجها المميز ضمن القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للبشرية.