المنتدى

صورة السنوار

بقلم/ سامي كمال الدين:

 لم يكن يحيى السنوار صاحب تجربة عادية، لقد قضى ثلاثة وعشرين عامًا في السجون الإسرائيلية يكتب ويخطط ويدبر ماذا سيفعل مع سجانه بعد خروجه؟ لم يكن يعلم أن عدوَّه نفسه سيقدمه بهذه الصورة بعد سنة كاملة من قصص مفبركة عن حياته، فإذا بهم يظهرونه مُقبلًا غير مُدبر، لا يعيش في الأنفاق مع الأموال التي يحاول الهروب بها، بل تسربت صور وفيديوهات له وهو جندي في معركة، وهذا ما يُدركه ويقدِّره الغرب جيدًا لمُقاتل، حتى لو وصفه بالإرهابي، حتى لو طارده في كل شبر من الأرض، قتلوه وهو يقاتلهم، لم يستطيعوا أن يحصلوا عليه أسيرًا، وقتها كان يستطيع نتنياهو مبادلته بالرهائن الإسرائيليين، لكن حتى هذه فشل نتنياهو فيها، أما الغربُ فما زال الارتداد عن الحضارة مستمرًا في بثٍ حيٍّ مباشرٍ، بشكل يومي حتى بعد أن قتلوا السنوار الذي رأوا أنه هدفهم الرئيسي في هذه الحرب.. ما زالت الهجمات البربرية على قطاع غزة مستمرة حتى بعد مرور أكثر من عام على الحرب التي أطلقتها إسرائيل على غزة بعد السابع من أكتوبر عام 2023.

حضارة الغرب تشاهد تناثر الجثث. تقطيع أوصال الأطفال، تعرض عائلات كاملة للإبادة الجماعية، ليتها تشاهد في صمت، بل تروِّج أكاذيبها في صُحفها وبرامجها التلفزيونية لتزييف الحقائق وتحويل الضحية إلى جَانٍ!

جاء الغربُ بإسرائيل إلى الشرق الأوسط وألبسها لباس الحضارة، مُدعيًا الديمقراطية والتطور وأنها ستنقل التحضر إلى العرب.

ها هي الحضارة الغربية تسقط أمام أعين العالم، ها هي يا «فرويد» ارتدادات الحضارة، أم هي قلق في الحضارة أم سخط الحضارة، لا أعرف كيف تُعرفها لو كنت هنا الآن؟!

حضارة جان جاك روسو، مونتسكيو، القديس أوغسطين، ديكارت، نيتشة، شوبنهاور، سقطت مع أول اختبار لها في التعامل مع أبناء الشرق الأوسط، كما سقطت في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وغيرهما من حروب إبادة البشر.

التفاخر الغربي بالحرية والديمقراطية ودعاتها الساعون إلى تطبيق العدالة والدستور والقانون سقطوا جميعًا في غزة.. كل هذا يتكسر الآن.. يتساقط.. إنه انتحار الديمقراطية الغربية.. سقوط الفكر الغربي الذي يدعو إلى إعمال القانون، لا يستطيع رجل في ظل دولة القانون أن يصدم بعربته كلبًا يعبر الشارع في حادثة دهس دون أن يُحاسب، بينما إسرائيل دهست آلاف البشر بصواريخها وسياراتها ودباباتها ومدافعها وطائراتها المُسيَّرة- صناعة الغرب ولا فخر- فلم يُحاسَب أحدٌ، ولم يعمل أحد القوانين الغربية، ولا حتى قانون المرور أثناء دهس كلب بالخطأ في شارع مُعتم!.

غابت الإنسانية وحضرت البربرية الغربية بكل صورها المقيتة للقضاء على الإنسان، لقد ألقوا في البحر بالفلسفة والأدب والفكر والسياسة التي تم تصديرها لنا على أنها خلاصة الفكر الإنساني، رأينا غريزة الحيوان داخل الإنسان تُعري همجيته وتحوله إلى بطل دراماتيكي يثأر لنفسه والأنا التي اصطبغت بها معاركة فرسمت غروره على وجهه، حولته إلى بطل من أبطال الغاب يقتل بشرًا يرى أنه لا قيمة لهم، هم أقل من مرتبة الإنسان بالنسبة له، أولئك أصحاب البشرة البنية والسمراء الذين صبغتهم شمس العرب بوهجها الساخن.

سحق المزيد من الفلسطينيين لا يعني له شيئًا، بل وإبادتهم ومساواتهم بالأرض. لم يكتف الإنسان الغربي بالقتل، بل راح ينسج في صحافته وإعلامه المزيد والمزيد من القصص الخرافية عن أولئك الهمج قساة القلوب الذين يقطعون أوصال الأطفال، وما الذي فيها إذا زدنا على القصص الخرافية التي رواها المستشرقون عن العرب في القرن التاسع عشر المزيد من الخرافات في القرن الحادي والعشرين؟!

استمر السقوط الإنساني للغرب في صمته مع كل طفل يموت في غزة، مع كل امرأة لا نعرف بأي ذنب قتلت، مع كل بيت ينهار على ساكنيه، مع كل عائلة كاملة تباد بالكامل ولا يبقى منها شيء إلا بقايا جسد وذكريات كانت تجمع الدار بساكنيها مع ذويهم.

بلغ مدى ارتداد الحضارة حدًا يفوق الوصف، الغربي «داعية السلام» الذي يدعو العالم إلى السلام ويطالب دول الموز بالعدالة والديمقراطية لشعوبها، راح يتخبط ذات اليمين وذات الشمال تجاه ما يحدث في غزة، وراح يسميها بعشرات المسميات، لكن من المواد البصرية التي نراها كل يوم هي حرب إبادة جماعية لآلاف من المدنيين لا ذنب لهم إلا أنهم يعيشون على هذه الأرض.. أرضهم، ويرتبطون بهذا البحر وهذا الماء وهذا التراب، حتى عندما تمَّت إبادتهم سكنوا ترابها هذا، فيا أيها الغرب الذي تشرق بحضارتك علينا، تهبنا التقدم والتطور، الحضارة، الفلسفة، الفنون أما آن الأوان أن توقف هذه الحرب العبثية في غزة.. أما آن الأوان أن تسكنها السلام الذي تدعو إليه وتطالب به ؟!

ألم يئن للذين يمنحون إسرائيل المالَ والسلاح والحماية الدولية.. الفيتو.. أن يمارسوا دورهم الأبوي عليها ويأمروها بالتوقف عن العبث في أجساد العرب بمدافعهم وطائراتهم وأسلحتهم التي يمنحها هذا الأب لهم، إننا ننشد السلام فلماذا تنشدون الحرب؟!

إعلامي مصري

@samykamaleldeen

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X