عن شيء ما ..الصحة النفسية ضرورة لا ترف
حنان بديع
هل الصحةُ النفسية ضرورةٌ أم ترف؟
في الماضي لم تكن هناك حاجةٌ مُلِحة للعلاجات النفسية والأدوية المُهدئة، فيما أصبحت التحديات النفسية في عصرنا هذا تفرضُ الحاجةَ للعلاج النفسي كضرورة لا رفاهية.
لماذا أقولُ هذا؟ لأن هناكَ دراسةً حديثة نشرتها جامعةُ «نيوكاسل» تؤكد أن تطور إمكانياتنا الجسدية والنفسية كبشر غير قادرة على استيعاب سرعة التطور، ذلك لأن المجتمعات تتطور بطريقة متسارعة والتطور البشري غير قادر على اللحاق بها، وتقول الدراسة: إن ظواهر مثل الاكتئاب والوحدة جميعها مُرتبطة بعدم قدرتنا -بتركيبتنا النفسية والجسدية- على مجاراة التطور التكنولوجي!
ماذا يعني هذا؟ يعني أننا نعاني من تُخمة تكنولوجية يعجز جهازنا النفسي عن هضمها بسهولة، ولكي نستوعب الفكرة نحتاج إلى تأمل واستعراض تاريخ تطور الإنسان، فمثلًا احتاج الإنسانُ إلى 2.5 مليون سنة حتى تم ابتكار الحصى النهرية، وهي أقدم الأدوات المصنوعة على الأرض، وتطلب الأمر مئات آلاف سنين أخرى لصناعة الفأس اليدوية، وذلك قبل ما يقرب من 1.8 مليون سنة.
في حين يتميز التطور التكنولوجي والعلمي الحالي عن سابقه بكونه تحولًا ذهنيًا وثقافيًا واجتماعيًا أيضًا، في حين أن التطورات السابقة كانت تركز بشكل أساسي على الجوانب العملية والجسدية.
ونظرًا للتسارع المُستمر في وتيرة التطور التكنولوجي الذي نشهده في عصرنا هذا، نجد أن التكنولوجيا تترك تأثيرًا عميقًا على حياة الأفراد والمجتمعات بشكل متزايد، وذلك برغم الفوائد الجمة التي نحصل عليها، إلا أننا نجد صعوبة في التكيف مع هذا التحول السريع.
فمن الناحية النفسية، يُعزِّز هذا التحول الشعور بالوِحدة والعُزلة، ويُسهم في تزايد المقارنات الاجتماعية عبر وسائل التواصل، ما يُفضي إلى شعور الأفراد بالضغط الاجتماعي والمقارنة المُستمرة مع الآخرين. ناهيك عن المشكلات الجسدية الناتجة عن الجلوس لفترات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية وانخفاض مستوى النشاط البدني ما أسهم في زيادة معدلات السمنة والأمراض المرتبطة بها.
فهل سنتمكن من مواكبة هذا التطور السريع من الناحية النفسية؟
وما الذي بإمكاننا فعله لتجنب المساس بهويتنا البشرية حتى لا نتحول إلى كائنات مُختلفة بشكل جذري عن الأجيال السابقة من الآباء والأجداد؟