كتاب الراية

حكاية تُرْوَى من جديد.. «نَعم» للتعديلات الدستورية

أخذتُ أقلبُ في أوراقِ الرُّزنامة على غير العادة، وأنا احْتَسي كوبَ الشاي بدون سكر، لأن الأيامَ بالنسبة لي متشابهةٌ لا طعمَ لها، خاصة بعد أن وصلتُ لأرذل العُمُر، فما فائدة باقي الأيام من حياتي.

هنا استوقفني تاريخ 5 نوفمبر 2024، وهو موعدُ الاستفتاء العام على التعديلات الدستورية على الدستور الدائم للدولة، الذي جاءَ وَفْقَ المرسوم الذي أصدره حضرةُ صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدى، بدعوةِ كافةِ المواطنينَ ممن أتَمُّوا سن 18عامًا، للمشاركة في الاستفتاء.

هُنا شعُرتُ بقشعريرةٍ، كأن الحياة بدأت تدُبُّ مجددًا في جسدي المُتعب، وأن المُستقبلَ ينادينا من جديد!.

عادتْ بِيَ الذاكرةُ إلى الوراء كثيرًا وبالتحديد إلى ما قبل ٢١ عامًا، حيث كنا وقتَها على مشارف مرحلة تاريخية مُهمةٍ من مراحل مسيرة البلاد، نحو التقدم وبناء دولة القانون والمؤسسات، وذلك للاستفتاء على أول دستور دائم للبلاد وصناعة مُستقبل جديدٍ وقتَها.

ما أشبهَ اليومَ بالأمس مع الاختلاف، بالأمسِ كنتُ في مُقتبل العمر وفي قمة العطاء، عشنا صناعة هذا المُنجز، وسط هبَّة شعبية صوَّتت ب «نعم» للدستور بعد أن ظلت البلادُ تحت النظام السياسي المُعدل فترة تصل إلى ثلاثة عقود.

واليومَ وأنا استحضرُ هذا التاريخ أرى الحلمَ يتكررُ من جديد، بوجوه جديدة، وإن كانت في الأصل هي وجوه تتشابه، كيف لا؟ والأسرةُ القطريةُ الواحدةُ منذ الأزل كانت ولا تزال علاقة أهلية مباشرة بين الحاكم والشعب.

وقتَها كان أبنائي صغارًا، وبعضُهم لم يولد بَعدُ، جيلان كاملان سيحِقُ لهما الاستفتاء من جديد، وهذه المرة على التعديلات الدستورية التي تأتي تنفيذًا لرؤية سيدي حضرة صاحب السمو أمير البلاد المُفدى، لتضع الوَحْدة الوطنية فوقَ أيِّ اعتبار، وتُعلي مبادئ العدْل والشورى وسيادة القانون، وتُعزز المواطنة المُتساوية في الحقوقِ والواجباتِ، بهدفِ تعزيزِ المُشاركة الشعبية في الشأن العام، وبناء صرح الوحدة الوطنية.

إنَّ الدعوةَ الكريمةَ التي وجَّهَهَا سمو الأمير إلى كافة المواطنين الكرام، للمُشاركة الشعبية في الاستفتاء تفرضُ علينا أن نكونَ على قدْر المسؤولية، فهو حدثٌ وطنيٌ وعليه سأتقدم الصفوف الأولى للتصويت ب «نعم» صحيحٌ سوف أتكئ على أكتاف أبنائي ولكن كُلي فخْر بأن أصنع التاريخَ من جديد، يدًا بيدٍ مع أبناء الوطن لصنع تاريخ يجسد مجددًا صورة أخرى من صور التلاحم الفريد بين الشعب والقيادة لأن «وَحدتنا سرُّ قوتِنا» .

«نعم» للتعديلات الدستورية لأنها تحقق مصلحة الدولة وبها نحمي مجتمعنا، وعليه يبرُزُ الإيمانُ الراسخُ بأهمية الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، والثبات على القيم الحميدة المُتوارثة والمبادئ الوطنية الراسخة، فنعمةُ الأوطان في إعلاء المواطنة فنحن «كلُّنا في قطر أهل» .

هنا قطعَ صغيري خَلوَتي وأنا مُمسكٌ بورقة الرُزْنامة التي تشير إلى تاريخ 5 نوفمبر.. وقال: هذا هو يومُنا الذي صنعتموه أنتم يوم أمس، ولولاه ما كان هذا اليوم، قلتُ له بفَخْر: إنه «يومُ قطر» هو أشبه بيومٍ وطنيٍّ سيُحفظُ في ذاكرة تاريخ البلاد، باعتباره يومًا مِفصليًا في رسْم خريطة طريق جديدة للدولة، نحو رؤية وطنية شاملة.

إنَّه يومُكم فإذا كانت مراكزُ الاقتراع عام 2003، شهدت إقبالًا كبيرًا، ما يعكسُ استجابة الشعب وتجاوبه مع كلمة القيادة وقتها، وجاءت نتيجة الاستفتاء لصالح مشروع الدستور وبنسبة 96.6 في المئة من نسبة التصويت، فإن تلبيتكم لدعوة سمو الأمير -حفظه الله- سوف تصنعُ الفرق (حيث كانَ يمكنُ لسمو الأمير أن يُصادق على مشروع التعديلات التي رفعها مجلسُ الشورى، دون طرحِها على الاستفتاءِ العام) ليتركَ الأمرَ بيد الشعبِ تأكيدًا على دور المواطن في صناعة القرار، فهذه الأمانة يتناقلها جيلًا بعد جيل، من الأجدادِ إلى الآباءِ إلى الأبناءِ فهو شعبٌ واحدٌ مُتَّحد خلف القيادة.

هنا رجعتُ إلى زاويتي في البيت الذي كان -وما زال- شاهدًا على وجودي وكُلي اطمئنان، وارتشفت من جديد كوبَ الشاي المُرِّ، لكن الغريب أن طعمه كان حلوَ المَذاق، كيف لا؟ والمستقبلُ سيكونُ أكثر إشراقًا.

إن الاستفتاء على التعديلات الدستورية ليسَ نهايةَ المَطاف بل بداية جديدة تُوجه بحشدِ كلِّ الطاقاتِ والإمكاناتِ لبناءِ الرُّؤى والاستراتيجيات التي تُترجم طموحات وآمال الشعب القطري، وتُترجم ما تضمَّنَه الدستور المُعدل من نصوص تحوي دعائمَ وركائزَ الانطلاق والتقدم والنهوض جيلًا بعد جيل.

لقد شهِدت الدولةُ خلالَ العقدينِ الماضييْنِ تحوُّلات مُهمة، وكانت مسيرةُ الإنجازات تمضي دون توقُّف مُتجاوزة كلَّ الصعاب والتَّحديات بحكمةٍ واقتدارٍ، وهي قادرةٌ اليومَ على السَّير على نفس الخُطى بفضل هذا التلاحُم الشعبي.

مَسؤوليتنا تُجاهَ وطننا وتُجاه قيادتنا وتُجاه أنفسنا قبلَ كلِّ شيء أمانةٌ، واعذُروني.. لابد أن أنهي هذا المَقال بعدَ أن حلَّ الليلُ لكي أطفئ أنوار البيت الصغير الذي يُظلني أنا وأبنائي، وكِّلي ثقة بأنَّ بيتَنا الكبيرَ سوف تُضيئونَ نورَه ليكونَ منارةً للعالم.

الوعد ٥ نوفمبر ٢٠٢٤ لكي نصنع تجربتَنا الدستورية الخاصَّة.

 

مدير التحرير

 

[email protected]

@Majed_ aljabara

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X