تحذير من تفاقم الجوع في 22 إقليما بسبب النزاعات والمناخ المتطرف
الدوحة – قنا:
تدق المنظمات الدولية والهيئات الإنسانية على مستوى العالم ناقوس الخطر، محذرة من تعقيدات متزايدة في ظل أزمات اقتصادية وانعدام الأمن الغذائي الذي يؤثر على العديد من الدول، خاصة تلك التي تشهد صراعات مسلحة وتواجه أزمات نزوح وتشرد وعدم استقرار.
وتتوقع الأمم المتحدة أن يزداد انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد من حيث حجمه وشدته في عدد من بلدان العالم وأقاليمه، وفقا لأحدث تقرير أممي جديد صدر عن منظمة الأغذية والزراعة العالمية الفاو، وبرنامج الأغذية العالمي، محذرة من تفاقم مستويات الجوع خلال الأشهر السبعة المقبلة في أجزاء واسعة من العالم.
وأوضحت أن أكثر هذه المناطق إثارة للقلق، حسب التقرير الأممي، هي قطاع غزة والسودان، وجنوب السودان، ومالي، وهايتي، وصنف التقرير 22 دولة /إقليما على أنها “نقاط ساخنة للجوع”، حيث من المتوقع أن تتدهور مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد بشكل كبير نتيجة للعديد من الصراعات وعدم الاستقرار الاقتصادي، فضلا عن التأثيرات المناخية.
ووفقا لهذه التوقعات، يشير التقرير إلى أنه في حال عدم تدخل عاجل وتضافر الجهود الدولية لتقديم حلول فورية، أو توفير مساعدات غذائية لتحسين سبل العيش، أو تأمين تمويل يساعد في تخفيف هذه المخاطر، فإن خطر المجاعة سيهدد حياة مئات الآلاف من الأشخاص خلال الأشهر المقبلة.
وأشارت بيانات التقرير الأممي الصادر حديثا إلى أن نحو 41% من السكان في هذه المناطق، أي ما يعادل 876 ألف شخص، سيواجهون مستويات “طارئة” من المجاعة، وهي المستوى الرابع من التصنيف التراتبي، خلال الفترة من نوفمبر إلى نهاية أبريل المقبل. وفي الوقت نفسه، يُتوقع أن يواجه حوالي 16% من السكان، أي نحو 345 ألف شخص، مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي.
وأوضح أنه منذ منتصف أكتوبر الماضي، ارتفع عدد النازحين في قطاع غزة إلى 1.9 مليون شخص، ما يعادل 91% من سكان القطاع. أما في السودان، فلا يزال مئات الآلاف من النازحين نتيجة النزاع معرضين لخطر المجاعة، مما يثير المخاوف بشأن التداعيات المحتملة لهذا الوضع.
ويشير التقرير إلى أن المجاعة في معسكر زمزم بولاية شمال دارفور، بالإضافة إلى مناطق أخرى في السودان، تمثل تهديدًا دائمًا. كما أن الأوضاع في قطاع غزة، حيث تسود مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، تتطلب اهتمامًا عاجلاً. وكذلك، تعاني هايتي ومالي وجنوب السودان من انعدام حاد للأمن الغذائي.
ويحذر من أن عدم اتخاذ إجراءات إنسانية فورية وتضافر الجهود للتغلب على القيود الشديدة في القدرة على الوصول، قد يؤدي إلى تفاقم حالة المجاعة والوفيات في هذه المناطق.
وفي هذا السياق، تؤكد الأمم المتحدة في تقريرها أن تفشي النزاعات المسلحة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والمناخية، يدفع الملايين إلى حافة الهاوية، وقد أدى الصراع والعنف المسلح إلى معظم حالات انعدام الأمن الغذائي الحاد، التي تم رصدها في التقرير نصف السنوي لمنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي.
ويُعد التأثير المناخي عاملاً حاسمًا في زيادة المعاناة بمناطق أخرى، في حين يُظهر عدم المساواة الاقتصادية وارتفاع حجم الديون في العديد من الدول النامية تأثيرًا كبيرًا على قدرة الحكومات على الاستجابة السريعة. ويستند التقرير إلى فترة المراجعة من نوفمبر 2024 إلى مايو 2025، مشددًا على أهمية العمل الفوري لإنقاذ الأرواح وتحقيق الاستقرار.
ويلقي التقرير الضوء على التداعيات الإقليمية للأزمة في غزة، خاصة تأثيرات المناخ وتغيراته الشديدة على الأنظمة البيئية في المناطق الهشة.
وفي هذا السياق، أكد شو دونيو، مدير عام منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، أن الوضع في النقاط الساخنة الخمس للجوع الأكثر إثارة للقلق كارثي، مما يعني أن معاناة الناس من النقص الحاد في الغذاء ستزداد، وسيواجهون مجاعة مستمرة وغير مسبوقة نتيجة النزاعات المتصاعدة وأزمات المناخ والصدمات الاقتصادية. وأضاف دونيو أنه إذا أردنا إنقاذ الأرواح ومنع الجوع الحاد وسوء التغذية، فإن الأمر يتطلب وقف إطلاق نار إنساني، واستعادة الوصول إلى الأغذية، بما في ذلك إعادة تنشيط إنتاج الغذاء المحلي.
ومع ذلك، يرى المسؤول الأممي أن هذه الخطوات وحدها لا تكفي، حيث قال: “نحن بحاجة إلى استقرار طويل الأمد وأمن غذائي. فالسلام هو شرط أساسي للأمن الغذائي، وبدون السلام والاستقرار، لا يمكن للمزارعين إنتاج الغذاء أو الحفاظ على سبل عيشهم”. كما أضاف أن “الوصول إلى الغذاء ليس مجرد حاجة أساسية، إنه حق من حقوق الإنسان”.
من جهتها، أكدت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، أن تصاعد النزاعات على مستوى العالم يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار الاقتصادي، وأن الكوارث المناخية أصبحت الوضع الطبيعي الجديد. وأشارت إلى أنه مع وجود دعم سياسي ومالي أكثر فعالية، يمكن للعاملين في المجال الإنساني تنفيذ حلول مجربة وقابلة للتطوير لمعالجة مشكلة الجوع، وتقليل الاحتياجات على المدى الطويل.
وتضيف أن “الوقت حان لكي يتقدم قادة العالم ويعملوا معنا للوصول إلى ملايين الأشخاص المعرضين لخطر المجاعة، من خلال تقديم حلول دبلوماسية للنزاعات، واستخدام نفوذهم لتمكين العاملين في المجال الإنساني من العمل بأمان، وحشد الموارد والشراكات اللازمة لوقف الجوع العالمي”.
وينتهي تقرير منظمة الأغذية والزراعة العالمية /الفاو/، وبرنامج الأغذية العالمي، إلى استنتاجات رئيسية مفادها أن فلسطين والسودان وجنوب السودان وهايتي ومالي في أعلى مستوى للإنذار، وتتطلب اهتماما عاجلا، بينما يعد الصراع هو المحرك الرئيسي للجوع في جميع هذه المناطق، ووفقا للتقرير، فإن جميع المجتمعات في النقاط الساخنة الأكثر إثارة للقلق معرضة لخطر المجاعة، أو تواجه ظروفا كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وأورد التقرير أن تشاد ولبنان وميانمار وموزمبيق ونيجيريا وسوريا واليمن من النقاط الساخنة المثيرة للقلق الشديد، حيث يواجه عدد كبير من الناس انعداما حادا في الأمن الغذائي، إلى جانب تفاقم العوامل التي من المتوقع أن تزيد من حدة الظروف التي تهدد الحياة في الأشهر المقبلة.
وبحسب الأمم المتحدة، إنه ومنذ الإصدار السابق من تقرير النقاط الساخنة للجوع الصادر في يونيو 2024، فقد انضمت كل من كينيا وليسوتو وناميبيا والنيجر إلى قائمة النقاط الساخنة للجوع، إلى جانب بوركينا فاسو وإثيوبيا وملاوي والصومال وزامبيا وزيمبابوي، حيث من المحتمل -حسب الأمم المتحدة- أن يتدهور انعدام الأمن الغذائي الحاد بشكل أكبر خلال فترة التوقعات المشار إليها في التقرير الأممي.
وفي السياق، كانت الأمم المتحدة قد حذرت، في تقرير سابق أصدرته خمس وكالات متخصصة تابعة لها، وهي منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، حذرت من خلاله من أن العالم لا يزال بعيدا جدا عن تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة وهو القضاء على الجوع بحلول عام 2030. وأظهر التقرير أن العالم قد تراجع 15 عاما إلى الوراء، إذ بلغت مستويات نقص التغذية معدلات قريبة مما كانت عليه خلال الفترة 2008 – 2009.
وبحسب الخبراء والمختصين، فإن تقدير وسد الفجوات في التمويل المخصص للأمن الغذائي والتغذية وحشد طرق التمويل المبتكرة، يجب أن تتصدر قائمة الأولويات على مستوى العالم، ويعد ذلك أمرا مكلفا، لكنه حق للجميع يحتاج إلى تضافر الجهود الدولية، وإلى العديد من السياسات والتشريعات والتدخلات الرامية إلى القضاء على الجوع، والسعي إلى ضمان الحق في الحصول على الغذاء لأجيال الحاضر والمستقبل.