كل مقومات الاقتصاد الخاص الخدمي والسلعي والتجاري تعتمد بشكل مباشر على التضخم العقاري في تحديد مؤشر أسعار المستهلك وبالتالي التضخم النقدي المباشر، بشكل أبسط ومباشر: إن تذبذب أسعار الوحدات التجارية يحكم قرار الاستثمار مبدئيًا، وللعلم، إن النسبة المقبولة للمبلغ الإيجاري في القطاع الخدمي يجب أن لا تزيد على 17% بالحد الأقصى من إجمالي التكاليف التشغيلية الشهرية، وللقطاع الصناعي 13% و للقطاع التجاري 9% وهذه الأرقام نتاج دراسات جدوى وحساب العائد على الاستثمار و فترة الوصول لنقطة التعادل (التأسيس)، وإن أي ارتفاع فوق هذه المستويات سيؤدي إلى عدة ارتدادات، منها أولًا: ارتفاع اسعار السلع والخدمات على المستهلك بمقدار الزيادة على النسب سالفة الذكر، ثانيًا: ارتفاع نسبة التضخم النقدي على الوحدات السكنية بضعف المقدار، حيث يُضطر أصحاب الأعمال إلى رفع الأجور لتأمين قدرة الموظفين للحصول على سكن، علمًا أن نسبة الإنفاق على السكن إلى إجمالي الراتب يجب أن لا تزيد بحال من الأحوال على 25%، لأن أي زيادة فوق ذلك ستؤثر في قدرة الفرد على الإنفاق على باقي الاحتياجات التي هي جزء أصيل من الحركة الاقتصادية للدولة، وعليه فإن الإنفاق على أي قطاع أكثر من اللازم سينعكس سلبًا على باقي القطاعات وبالتالي الإضرار بالاقتصاد العام للدولة، ثالثًا: إن التضخم السعري العقاري بكل أشكال الوحدات الإيجارية سيرفع التضخم النقدي، لأن كل السلع والخدمات سيرتفع سعرُها، وبالتالي ستقل قيمة النقد لتلبية نفس الاحتياجات، ما يضطر السلطات المالية والنقدية إلى زيادة عرض النقد عبر تخفيض أسعار الفائدة لضمان مستوى السيولة المناسب داخل جسم الاقتصاد في الدولة، وإلا ستواجه الركود الخطير جدًا على الاقتصاد، والشاهد والهدف من الطرح في هذا المبحث المهم جدًا هو: لابد لراسمي السياسة النقدية -بالتعاون مع السياسة المالية والجهات ذات العلاقة- من العمل الفعّال والحثيث والمُستمر على إحداث حالة التوازن للتضخم السعري العقاري كونه هو أكبر وأهم عنصر، قد يُدمر ويفتك بكل مقومات الاقتصاد الوطني، وعدم السيطرة عليه تمنع كافة القطاعات من النمو، بل تؤدي إلى تآكل رؤوس الأموال وإفلاس القطاعات الصغيرة والمتوسطة وخلق سلسلة من المشاكل والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والاستراتيجية، وتنعكس بشكل مباشر على المؤشرات الحيوية الأساسية للاقتصاد، مثل مُعدلات النمو والبطالة والتضخم والناتج الإجمالي المحلي ومعدل دوران الشركات المُتعسرة والقروض غير المُسددة، والديون المعدومة ونسب القضايا الاقتصادية المنظورة في المحاكم وحركة دوران الموارد البشرية وتنقلها والكثير من المشاكل المُتصلة والمتشابكة التي تربك المشهد العام لاقتصاد البلاد، لذلك وجب العملُ على حل هذه المشكلة بشكل ديناميكي مرن و دوري ومستمر ورصد النتائج والانحرافات والعمل على خلق حلول مبتكرة لذلك.

[email protected]