كتاب الراية

ما بين السطور.. في بعض الأيام

في بعض الأيام، ومع تشابه النمط الذي تمر به الأوقات بكل ما بها من عمل أو لا عمل، من نوم أو لا نوم، من خروج أو لا خروج، نشعر أن الأيام كلها واحدة، فالسبت مثل الأحد، والأحد مثل الإثنين، والإثنين مثل الثلاثاء، وهكذا يمر الأسبوع، وذلك يحدث فقط لمن يقبع ليلًا ونهارًا في بؤرة هذا البيت، في نفس الغرفة أو الصالة، وعلى نفس المِقْعَد.

كل شيء يسير على وتيرةٍ واحدةٍ، تشعر أحيانًا بدقات ساعة الحائط وهي تتحرك، وتشعر بالرياح وهي تُحرّك الباب، فتتوقع أن هناك زائرًا غير متوقعٍ، وهذا ما لا يحدث كثيرًا.

في بعض الأحيان، أراقب الفتحة الصغيرة بين الباب وسطح الأرض، فمتى ما اقترب ظل ولو كان صغيرًا، فهذا يعني أن هناك من يقف عند الباب، لكن ذلك الظل أصبح يخدعني كثيرًا، خاصة أن تلك المساحة الخارجية الصغيرة أصبحت مأوى لبعض القطط الهاربة من الشمس أو الحر، فأصبحت تلك القطط هي زائرتي الدائمة.

ليس هناك الكثير من الناس من يعيشون بهذا النمط المتكرر، إلا من هم في عمر التقاعد، والتنازل عن ساعات الدوام، وأكواب الشاي والقهوة الدائرة من مكتب لآخر، وأصوات لوحات المفاتيح في كل مكان، حيث يعمل الآخرون، ويطبعون، ويدوّنون، ويخزّنون، كل ذلك في حيزٍ دائمٍ ومتكررٍ كل يومٍ.

أي أن النمط المتكرر ليس في البيت فقط، فربما يكون في مركز العمل اليومي، أو في المقهى الذي يرتاده البعض، أو في مواقف السيارات المزدحمة في كل مكان، أو في المحلات التِجاريّة، والمجمعات الكبيرة.

أنماط من البشر يسيرون دون هدفٍ وهم يتنقلون بين المحلات المشرعة للمشترين، فقط إطلالة على البضائع من خلف الزجاج، ثم الانصراف، والانتقال إلى المحل المجاور، فقط كل ذلك للقضاء على ما يُسمَّى بالفراغ، والملل.

قبل عقودٍ من الزمان، لم يعرف الناس هنا هذا الفراغ أو الملل، فقد كان وقتهم مزدحمًا منذ الصباح الباكر، وحتى يلقوا بأجسادهم المنهكة فوق أقرب فراش منهم، فقد كان هناك عمل مستمر، سواء للرجال، أو النساء، أو الصغار.

لم يكن هناك من يظل طَوال النهار يتنقل من غرفة لأخرى، وهو لا يطيق حتى مرور النسمة، وليس على لسانه سوى كلمة واحدة (ملل.. ملل).

لقد استدعينا الملل إلينا، وشرعنا له كل الأبواب ليدخلَ منها بعزمٍ وقوةٍ، وهو يعرف أننا سنوجّه له الدعوة في أي يومٍ من الأيام.

الكثير منهم لم يعرفوا الوظائف الحكومية، التي توفر لهم راتبًا شهريًا منتظمًا، حيث كانوا يعملون أعمالًا يدويةً، وبدنيةً، لا توفر لهم رواتب ثابتة مضمونة شهريًا.

 

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X