دنيا.. «كفو» وحدها لا تكفي
تسألُ عن المسؤول الفلاني؟ يأتيك الجواب: «والله ونعم كفو».
تسأل عن مسؤول آخر يأتيك الجواب: «مهب كفو».
«كفو» و»مهب كفو» يمثلان معيارَي تقييم في الوعي الشعبي، تأتي لتفكيكهما لتحديد عناصرهما الأولى لا تستطيع، هي
هكذا تأتي كتلة انطباعٍ شمولية.
«تكفى وكفو»، يُشكلان معياريَن شعبيين للطلب والاستجابة الإيجابية له، كقول الشاعر، طالبًا:
تكفى ترى تكفى تهز الرجاجيل… ولولا ظروف الوقت ما قلت تكفى.
وكقوله حاثًا للاستجابة لطلبه أو الفزعة له:
كلمة كفو تتعب عليها الرجاجيل .. اللي على روس النوايف نظرها.
لكن السؤال هل تصلح كل من «تكفى وكفو» لتقييم حقيقي لأداء مسؤول، يشرف على جهاز حكومي له قوانين وشروط ومدخلات ومخرجات؟ أم هما فقط يعبّران عن مفهوم الفزعة والكرم في شكلهما المادي والمعنوي، المُرتبط في الذاكرة الشعبية التاريخية؟
عبر تتبُّعي شخصيًّا وعمليًّا عاصرت وشاهدت رجالًا قِيل عنهم ليسوا ب»كفو»، أو ليسوا كفؤًا للمَنصب، من قرب وجدت فيهم إخلاصًا والتزامًا وصدقًا لم تصل أبعاده للعامة، وبالمقابل وجدت العديد ممن يحظون ب»كفو» كبيرة مستمرة، لا يقدمون سوى الكلام المعسول والمواعيد تلو المواعيد، حتى ينتهي عهدهم بالسلطة دون أن ينجزوا ما يقابل هذه «الكفو» الكبيرة المُتضخمة.. فأين الخلل؟
هل هو في التقاليد الاجتماعية التي اختزلت الأداء العملي في مواقف كلامية سيّالة، أو في الوجه الباشّ والابتسامة الكبيرة وعلى خَشمي وعدًا لا موعدًا للإنجاز؟
أم الإشكالية في طبيعة العمل، وبيروقراطية الإدارة، والالتزام بالقانون، وعدم محاباة أحد على الآخر، وتطبيق القانون على الجميع؟
كم نسبة حسن الاستقبال والترحيب من الإنجاز الكلي للعمل للمسؤول لكي يحظى برضا مجتمعيّ يستحقّ معه كلمة «كفو»؟
كم « كفو» يمكن للمسؤول أن يجمعها على حساب تطبيق القانون بحذافيره دون تمييز؟
كم «كفو» يمكن أن يضحي بها في سبيل إرضاء ضميره، وبرورًا بقسمه عند استلام الوظيفة، وما ينتج عن ذلك من سلبية يواجهه بها المجتمعُ بعد تركه الوظيفة؟
أين موقع الشهادة العلمية في ثقافة» الكفو»؟ «كفو» تقال دائمًا تشجيعًا للصغار والشباب الناهض للاستمرار في طلب المرجلة، لكنها كمعيار لأداء الوظيفة الحكومية أو القطاع الخاص ليست دقيقة وفيها ظلم ربما لكثير من الرجال الذين كان مؤهلين علميًا وإداريًا، ومع ذلك لم يتحصلوا عليها في وعي المجتمع، في المقابل هناك الطرف الآخر الذي ليس بنفس الكفاءة العلمية أو الإدارية، ومع ذلك استخدموا الذكاء الاجتماعي ليخرجوا برضا مجتمعي رغم قلة إنتاجِهم حسابيًا وعمليًا.
أنا شخصيًا لا أمتلكُ معلوماتٍ دقيقةً عن إنجازِ مُعظم المسؤولين الكبار والصغار سوى ما أسمعه من صدًى لما يقال عنهم وهو لا يتعدَّى ثنائية «كفو» « ومهب كفو».
نحتاج في عصرنا الجديد إلى معايير أدقّ؛ إيمانًا بالتخصّص، وحرص حضرةِ صاحبِ السُّموِّ الأمير، حفظه الله، على الكفاءة والخبرة، وهما عنصران يمكن حسابهما بدقة، كما أشار في خطابه الأخير في الدورة العادية لمجلس الشورى الحالي في آخر دورة تشريعيَّة له.
[email protected]
@A_AzizAlkhater