كتاب الراية

سطور شاردة …. وهْمُ العلاج بالطاقة

لقد اعتمد الإنسان منذ القِدم على مجموعة من الوسائل والأدوات والتقنيات، التي كانت غايته منها الاستشفاء والعلاج من الأمراض والعاهات الجسدية والنفسية، التي قد تصيبه بين الفَيْنَة والأخرى. وقد تنوعت هذه الوسائل بين العلاج بالشَعْوَذَة والطقوس، وبتقديم القربان «للآلهة والمعبودات» أو بترتيل التعويذات والترانيم لجلب الشفاء وطرح الأرواح الشريرة، أو عن طريق تناول أعشاب وخلطات مُعينة يعتقد أنها تعالج تلك الأمراض، وأيضًا عبر جراحات وتدخلات جراحية غايتها استئصال الأمراض والأسقام. وقد تطورت هذه الوسائل وتغيرت كثيرًا بتطور الإنسان وتقدمه العلمي والفكري حتى صارت إلى ما صارت عليه اليوم.

والإسلامُ دينُ الله الشامل لكل نواحي الحياة، بيَّنَ بوضوح آليات العلاج والاستشفاء وفق مبدأ أساسي هو أن الشافي الله، يقول تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين) -الشعراء: 80. وعلى إباحة التداوي والترغيب فيه وفق ضوابط الشرع وقواعده، يقول صلى الله عليه وسلم: (عبادَ الله! تداوَوْا، ولا تداوَوْا بحرام)، وقد طبق المسلمون منذ فجر الإسلام هذا التوجه فتطور الطب على أيديهم وظهر أطباء وجراحون مسلمون لا يزالون مرجعًا في الطب الحديث.

إلا أنه ورغم كل هذا التطور والتقدم، لا يزال الإنسان يؤمن بالشعوذة وبالوهْم للتداوي، وإنْ بلباس مُتحضر جديد، ولهذا ظهرت مُصطلحات جديدة أنيقة برّاقة لهذه الشعوذة الجديدة، ومنها ما نسمعه اليوم حول «العلاج بالطاقة» .

أعلمُ أخي القارئ أنَّ البعض قد يرُد على هذا الكلام، بقوله العلاج بالطاقة حقيقة وآثاره الجانبية معروفة مشهورة…!

وهذا في الواقع ردُّ صحيح، لكن الآثار الإيجابية التي قد تلحظ على بعض المرضى الذين يمارسون العلاج بالطاقة، أكدت الدراسات العلمية التجريبية أنها آثار وهمية، فأي استجابة لدى المريض لا تعود إلى صحة العلاج بالطاقة، وإنما يرجع ذلك إلى العلاج بالإيحاء (Placebo)، فالإنسان حين يعتقد بقيمة العلاج وبأنه سيعالجه فإن ذلك يؤثر فعلًا بشكل إيجابي في عملية الشفاء الذاتية عبر رفع المعنويات وهو ما يؤثر في المناعة وعمل الأعضاء المضادة في الجسم (الكريات البيضاء في الدم)، وقد أشار ابنُ القيم إلى أهمية اعتقاد المريض بالعلاج للانتفاع به، حيث يقولُ في الطب النبوي: «من شرط انتفاع العليل بالدواء قبوله، واعتقاد النفع به، فتقبله الطبيعة، فتستعين به على دفع العلة، حتى إن كثيرًا من المعالجات ينفع بالاعتقاد، وحسن القبول، وكمال التلقي، وقد شاهد الناس من ذلك عجائب..» .

وبالتالي فالعلاجُ بالطاقة لا يعدو أن يكون علاجًا بالوهم، وليس علاجًا بتاتًا. فالخطيرُ، الذي من أجله كتبتُ هذه المقالة، هو أن يعتقدَ المريضُ أن هذه الوسائل هي فعلًا سبب علاجه ويؤمن بقدرة الطاقة (المغناطيسية، والشاكْرات السبع..) على العلاج، وبالتالي تبذير المال والوقت في هذه الأمور بعيدًا عن العلاج الحقيقي الذي هو الإيمان بالله الذي من أسمائه الشافي، وخلق الطمأنينة بالتعبد وبسلوك سبل التداوي بنعمِهِ من أطعمة وأعشاب أنعم بها الله علينا لتُداوي أسقامَنا وتغذينا. والإيمان الجازم القاطع أن الطاقة وطقوس استحضارها البهلوانية لن تنفعك بشيء إلا بإرادته عز وجل، وإنما تهدد عقيدتك وعبوديتك الكاملة لخالقك والإشراك به، وفي ذلك يقول المولى تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنعام: 17.

[email protected]

@Q_south

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X