اقتصاديات … الدولار الأمريكي ونهاية سيطرته المالية (1 – 2)
عاد الرئيسُ الأمريكي المنتخب دونالد ترامب السبت الماضي إلى تحذيراته من جديد وتهديداته المُتكررة لتجمُّع «بريكس» الذي يضم كلًا من: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وهم الأعضاء المؤسسين، ونشر على حسابه الإلكتروني تحذيرًا صريحًا لهم مفاده: أنه «سيُطالب تلك الدول بالالتزام بعدم إنشاء عُملة موحدة جديدة لتكتل بريكس، أو دعم أية عملة أخرى لتحل محل الدولار الأمريكي «العظيم» -حسب وصفه- وإلا فإنها ستواجه تعريفات جمركية أمريكية بنسبة 100%، ويجب أن تتوقع وداعًا للبيع في الاقتصاد الأمريكي. انتهى «التصريح الترامبي» المثير للجدل كعادته.
المعروف أن الدولار الأمريكي يُعد سيد العملات لأنه عملة الاحتياطيات العالمية، فهو يُشكل نحو 58% من احتياطيات صندوق النقد الدولي، وأكثر من 50% من الاحتياطي الأجنبي لدى البنوك المركزية بدول العالم، ويشكل 80% من عملة التجارة الدولية السلعية والخدمية، وله وزنه الكبير في عقود وصفقات بيع وشراء النفط والغاز ومضاربات أسواقهما. كما أنه عملة مدفوعات بينية لغالبية دول العالم بجانب عملاتها الوطنية. كل ذلك ويبقى السؤال الصعب والإجابة عليه أصعب، هل ياترى الولايات المتحدة الأمريكية متخوفة حقيقة من تهديد عرش الدولار وسيطرته على النظام المالي العالمي (سواء كعملة تجارة دولية، أو رصيد احتياطيات نقد أجنبي، أو مصدر تمويل قروض دولية)؟ بلاشك، هناك قلق متنامٍ لدى الولايات المتحدة الأمريكية حول إمكانية تكتل «بريكس» في إصدار عملة موحدة له تهدد هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي المعاصر. لمَ لاتقلق أمريكا على الأهمية الاستراتيجية للدولار الذي يوفر لها تمويل الديون بكل يُسر، ويتيح لها السيطرة على مداخيل التجارة العالمية، ومنح القروض لأغراض سياسية، وفرض عقوبات اقتصادية على الدول «المارقة» أو غير المؤاتية معها سياسيًا وأيديولوجيًا من منظورها. كذلك تخشى الولايات المتحدة من خطوة إصدارعملة دولية بديلة موحدة من «البريكس» مدعومة بموارد طبيعية مثل الذهب والنفط، حيث إن ذلك سيُضعف الاعتماد على الدولار كعملة احتياط عالمية. في ذات الوقت سيؤدي إلى تراجع الطلب على الدولار في التجارة الدولية، حيث إن مجموعة دول بريكس تمثل أكبر من 44% من سكان العالم وقرابة 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. بلا شك سيعزز نفوذ الصين وروسيا -الساعيتيْن لتقليص الهيمنة الأمريكية في العالم- كما سيساعدهما في صياغة نظام مالي عالمي جديد. الجدير بالذكر أيضًا، أنه إذا قل الاعتماد على الدولار، سيصبح فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الدول التي تخالفها سياسيًا، أقل فاعلية و ستضمحل تدريجيًا.
رغم المخاوف الأمريكية من البديل المحتمل للدولار، إلا أنَّ هناكَ عقباتٍ كؤودًا تقفُ أمام إصدار عملة موحدة لتكتل «بريكس» تتمثل في أن الدول الأعضاء في بريكس تختلف في سياساتها وأهدافها الاقتصادية، خاصة الصين التي تفضل انخفاض عملتها الوطنية أمام الدولار لتنشط صادراتُها للعالم ولتُغرق أسواق الولايات المتحدة بالسلع والمنتجات الصينية، وتضاعف الديون الصينية على أمريكا أكثر فأكثر. ثم إن هناك بعدًا أساسيًا لاينبغي إغفاله وهو بناء الثقة الدولية في عملة جديدة تنافس الدولار، سيحتاج جهدًا سياسيًا كبيرًا وتكلفة باهظة ووقتًا واستقرارًا سياسيًا وسياسات مالية مدروسة مستقرة. وعليه، على المدى القصير يصعب لعملة «بريكس» أن تهدد هيمنة الدولارعلى النظام المالي العالمي، أما على المدى البعيد، فلنا حديث آخر بإذن الله.
خبير اقتصادي