كتاب الراية

سطور شاردة …. أزمة العزوبية

تعتبر ظاهرة العزوف عن الزواج أو العزوبية بين الشباب من الظواهر الاجتماعيّة المُعاصرة التي أصبحت مستشريةً ومنتشرةً في السنوات الأخيرة بشكل مهول، سواء في مجتمعنا أو في باقي المجتمعات العربية الإسلامية، وهو الأمر الذي أكدته العديد من الدراسات التي تمت في الموضوع، ما يدق معه ناقوس الخطر، باعتبار أن الزواج وإنشاء أسر مستقرة، هو نواة المجتمعات وأساس استمراريتها وتقدّمها وبقائها. فما هي أسباب هذه الظاهرة في مجتمعنا؟

إن الحديث عن أسباب العزوف عن الزواج يقودنا إلى الحديث عن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها التي تساهم في هذه الظاهرة، لكننا في هذا المقال سنقتصر على أهمها فقط، خصوصًا تلك التي لها عَلاقة بمجتمعنا وخصوصيته.

فمن الأسباب، ما يتعلق بتغيّر الثقافة حول فكرة الزواج وما يحيط به من شروط وعادات من أعراس ومهور وغيرها، إذ إن نمط الرأسمالية وطغيان الماديات والمظاهر أصبح السمة التي تميّز الزواج في العصر الحالي، وذلك من خلال غلاء المهور بشكل مبالغ فيه، حيث أصبح المهر، بعيدًا عن الحكمة الشرعية منه، محلّ تفاخر بين الناس، في حين أن العكس هو الصحيح، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «أقلهن مهرًا أكثرهن بركة»، كما أن الأعراس والجهاز وغيرها من العادات، أضحت تحتاج إلى أموال كثيرة، ما يثقل كواهل الشباب ويدفعهم للتردد أكثر، ولتأخير الزواج أو العزوف عنه نهائيًا.

كما أن من أهم الأسباب ما يتعلق بالرغبة في الزواج، فتغير شكل المجتمع وأنماط الحياة المدنية الحديثة، خصوصًا فيما يتعلق بدخول المرأة بشكل كبير سوق العمل، ما أدّى إلى بروز أفكارٍ جديدةٍ تتعلق بالتعلم والتكوين والعمل قبل التفكير في الزواج، وهذا ما أكدته دراسة أعدّها معهدُ الدراسات الأسرية في قطر سنة 2016، حيث بينت أن 50% من الفتيات القطريات يعتبرن أن الزواج عقبة أمام تحقيق الأهداف، كما أن الاهتمام بالهوايات من البهرجة والموضة والسفر، وكذلك عمل النساء، جعلهن يغيّرن فكرتهن نحو الزواج، إذ إنه لم يعد أولى الأولويات كما كان في السابق، فاستقلالهن المادي يعوّض عن الحاجة للزواج والزوج كما ترى بعضهن. وقد حكى لي أحد الزملاء، في هذا السياق، أنه حين ذهب ليخطب إحدى الفتيات، اشترط عليها أن تستقيل من عملها وتتفرغ لما هو أهم وهو الأسرة والأبناء، فما كان ردها إلا أن اشترطت عليه هي أيضًا أن يدفع لها راتبًا يساوي نفس الراتب الذي تحصل عليه من عملها شهريًا. وما قيل عن الفتيات يُقال أيضًا عن الشباب، حيث إن العيش في ملذات الحياة والبحث عن تحقيق الطموحات الشخصية والخوف من فِقدان الحرية يجعل بعضهم يرفض الزواج ويراه شيئًا يثقل الكاهل فقط بلا قيمة إضافية. والملاحظ من هذه الأسباب وغيرها أنها كلها صادرة عن النزعة المادية ومنطق الربح والخَسارة الماديين، ومنطق الحرية والهروب من المسؤولية، فلم يعد الزواج فكرة أساسها السكن والتعاون وإنشاء أسرة وتحقيق العفة وتربية الأبناء، وتحقيق غاية الله من خلقنا على هذه الأرض وهي الاستخلاف.

إن مخاطر عزوف الشباب عن الزواج كبيرة وكثيرة سواء على الفرد أو المجتمع، ولعل ما تعانيه المجتمعات اليوم من استشراء الفساد والرذيلة ونقصان الوازع الديني وضعف الأمة الإسلامية، راجع بشكل كبير إلى تهدّم قيم المُجتمع، وأهمها قيمة الزواج، ففي هذا يقول رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

[email protected]

@Q_south

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X