في رحاب القانون.. العدالة الانتقالية المطلوبة في سوريا
عانت سوريا منذُ ما يُقارب ثلاثة عشر عامًا من الاستبداد وغياب أبسط صور العدالة، حتى أتى اليوم الذي أشرقت فيه شمسُ الحق بمشيئة الله عز وجل، وسقط النظامُ الاستبدادي وتسلَّم الشعب البلاد.
وهذا السقوط ليس إلا بداية الطريق، فليس من السهل تخطي الإرث الدموي الذي بقيَ خالدًا في ذاكرة الشعب السوري وشهدت عليه أرضُهم.
فلا بد من مرحلةٍ انتقالية حتى يصل الشعبُ السوري إلى جمهوريته الجديدة التي يطمحُ إليها، ولابد أن يحدث ذلك بعدالةٍ تُزيل ترسبات الماضي العالق في تشققات الأرض التي أنهكتها النزاعات المُسلحة والظُلم المُستطير، ولن يتحقق هذا الأمر إلا وفق مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنهجية العدالة الانتقالية، التي عرفتها الأمم المتحدة بأنها «العمليات والآليات التي يبذلها المُجتمع لتفهم ترِكةْ تجاوزات الماضي الواسعة بُغية كفالة المُساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المُصالحة» .
وتمتازُ العدالة الانتقالية بعدةِ مراحل، يختلف ترتيبها باختلاف طبيعة كل تجربة وخصوصيتها، وبالنسبةِ إلى «سوريا» فلا يمكن البدء -بما هو دارج- بلجان تقصي الحقائق والمُلاحقات القضائية، مع كل هذه الهشاشة والضعف اللذين أصابا مؤسسات الدولة.
ففي المقال الأول، يجب بث الروح في مؤسسات الدولة بإعلانٍ دستوري يُشكل حكومةً انتقالية تنتشلها من التُراب، وتبسط بسلطانها على إقليم الدولة لاتخاذ كافة التدابير الوقائية للحفاظ على وحدة الإقليم (كنزع السلاح)، ثم تشكيل لجان مُحايدة لا تنتمي لأي طرف لتقصي الحقائق، ورصد انتهاكات النظام السابق، والانتقال بعد ذلك إلى المُلاحقات القضائية وعرض من تُقرر لجان تقصي الحقائق مسؤوليته، على هيئات قضائية مُنصفة تتسم بالعدالة والتجرد من تصفية الحسابات.
والانتقالُ بعد تحقيق ما سبق، إلى جبر الأضرار التي أصابت الأفراد والمناطق، وذلك بطريقتين:
(أولًا): الجبر المادي ما أمكن الحال، وذلك بالتعويض وإصلاح الأضرار التي لحقت بالمباني والمناطق.
(ثانيًا): الجبرُ المعنوي، الذي يتحقق بإحياء ذكرى الشهداء والضحايا عن طريق تحديد يوم سنوي لهم، وإنشاء متاحف تُخلد الذكرى.
وتأتي المراحلُ سالفة البيان كفيلةً لإراحة الشعور العام ورد الوئام وتحقيق المصالحة، استعدادًا للانتقال للجمهورية الجديدة، الذي يجب أن يأتي بشكلٍ راديكالي بإعداد دستور دائم حسب الطريقة التي يختارها الشعب، مع مُراعاة ما هو مُسقر عليه من مبادئ وقيم عُليا، وفي الغالب سيكون إعداد الدستور بواسطة جمعية تأسيسية مُنتخبة.
وفي الختام، نسأل الله لسوريا والوطن العربي الأمن والاستقرار، والمزيد من التقدم الموحد الذي يصب في مصالح شعوب المنطقة.
Insta:nasseraalmarri