سقوط الأسد وحزبه وسراديبه
بقلم / فيصل مكرم:
خرج الشعب السوري بكل طوائفه، وتنوّعه السياسي والمذهبي والفكري على بكرة أبيه، الجمعة الماضي؛ فرحًا وابتهاجًا بزوال نظام الأسد الذي جثم على صدور السوريين زمنًا طويلًا، خرج السوريون بالملايين إلى ساحات وميادين دمشق والمدن السورية مبتهجين باستعادة وطنهم وحقوقهم وآمالهم وأحلامهم، يرفعون عَلَمًا واحدًا ويريدون شعارًا واحدًا «شعب سوري واحد»، فقد سقط حكم الأسد وابنه وزمرته إلى الأبد، وهرب الطاغية دون رجعةٍ. وبقي الشعب الذي هو وحده يستحق البقاء والحياة والحرية، فقد جمعت السوريين، السعادةُ والأملُ والوطنُ، ولن يتفرقوا بعد اليوم، تلك كانت ملحمة إنسانية تضج بالبهاء والنقاء والإصرار على البقاء، فالوطن يجمعهم، وإن فرق بينهم حاكم قتل من شعبه ما لا يحصى في القريب، وهجَّر الملايين، واستبد إلى ما لا يمكن للاستبداد تحمل وحشيته، ليصرخ كفى أيها الحاكم المسكون في ظلام استبداده.. كفى، فهذا شعبك وهؤلاء أهلك وأبناء بلدك، هذا الشعب الذي رفعك إلى منزلة لا تستحقها وجعلك حاكمًا له وقائدًا لوطنه دون أن يطلب منك رد الجميل، فرددته أنت بأن مارست ضده كل طرق الاستبداد والبطش والقهر، وجعلت منه شعبًا خائفا وجائعًا وشريدًا ومتوجسًا ومحبطًا ومشردًا لا تعنيه من الحياة سوى البقاء حيًا، ويحك أيها الأسد الضليل، ماذا سيتحدث التاريخ عنك وعن أبيك من قبلك، ماذا ستتحدث الأجيال السورية والعربية عن «حافظ» لم يحفظ لشعبه كرامة ولم يحافظ على الأمانة ورمى بها في سراديب الموت، وستتحدث عن «بشار» بأنه لم يكن له من اسمه شيء، وأبى طيلة أكثر من عَقدين من حكمه أن يزفَّ لشعبه بِشَارةً واحدة أو مسرَّةً واحدة، وهو كأبيه ظالم مستبد في أعلى سلم الطغاة عبر التاريخ المعاصر، ماذا سيقول التاريخ عن حاكم فرّق شعبه ودمّر وطنه وعمَّر سجونه بكل ما هو مخيف ومميت، يستبيح كل وسائل البطش لكي يحظى بطاعة وخنوع شعبه، ولكي لا يؤذي مسامعه بأنين الأمهات الثكالى، والأطفال الجوعى، ولا صراخ المعذبين في سراديب سجونه، ولا تطلعات شعبه إلى الحرية والازدهار والكرامة، يا إلهي، كل هذا الظلام والظلم والضيم كان مخيّمًا على سوريا والسوريين، هرب الأسد وسقط معه حزب أبيه وشعاراته وسقطت أفرع مخابراته، وسقط عن قاموس سوريا الخوف من بطشه والخشية من تكشير أنيابه، سقط الأسد فهرب تاركًا أقاربه وأخاه لمصيرهم، كان همّه النجاة من غضب الشعب الذي كان يتحكم بكل شيء فيه، وكان يمارس قمعه باسمه.
وهنا لا بدّ من القول إن فرحة الشعب السوري بزوال الأسد وحكمه وحزبه وبطشه لا تعني بأي حال من الأحوال بأنها تمنح فصائل المعارضة صك تفويض لتحديد مصير البلد وإرادة الشعب، ذلك بأن السوريين يستحقون الحرية والحياة بكرامة والمشاركة الوطنية في صنع مستقبل سوريا الذي لا يستثني أيًا من مكوناته السياسية والثقافية والاجتماعية وطوائفه الدينية والأقليات الإثنية، التي إن رفعت علم التحرير السوري على طول البلاد وعرضها فإنها لا تزال لديها مخاوف مما قد تخبئه التطورات والمتغيرات في قادم الأيام، وما قد يحدث في سوريا المحررة بعد سقوط نظام الأسد في وجود العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين في سوريا اليوم، وفي غياب الدور العربي المهم لدعم مرحلة التغيير والانتقال السياسي، والحفاظ على سيادة الدولة السورية ووحدتها الجغرافية، ومرحلة تهيئة عودة نحو 15 مليون لاجئ ونازح ومهجَّر سوري في شتى بقاع العالم إلى وطنهم، والمساهمة المباشرة في بناء ما دمرته الحرب، واستعادة سوريا حقوق شعبها من الثروات والمكاسب الوطنية، وتكريس مبدأ مشاركة الشعب السوري بكل طوائفه ومشاربه في صياغة دستورٍ يلبّي تطلعاته في العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها المؤسستان العسكرية والأمنية، وحلّ الميليشيات والفصائل المسلحة من خلال حكومة انتقالية جامعة لكل أطياف الشعب السوري ومثقفيه وشخصياته المستنيرة، لتحلّ محل الحكومة المؤقتة التي شكلها قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع لثلاثة أشهر، وقبل هذا وذاك عدم فرض شرعية ثورية لما بعد سقوط الأسد قد تؤدّي إلى دُوامة صراع داخلي، لم يعد الشعب السوري راغبًا فيها ولن يقبلَ بعودتها.
وللحديث بقية..
صحفي وكاتب يمني