كتاب الراية

كنوز مبدعة.. وسائل التواصل الاجتماعي وتغيّر مفهوم الهُوية الفردية

في الماضي كانت الهُوية الفرديّة تتشكل بشكل أساسي من خلال العائلة، والمجتمع المحلي، والثقافة التقليدية المُحيطة بالفرد. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي تغيّر هذا المشهد جذريًا، حيث أصبحت هذه المِنصات قوةً محوريةً تؤثر في طريقة تعريف الأفراد لأنفسهم وفي الطريقة التي يتفاعلون بها مع العالم من حولهم.

في البداية بالمقارنة بين الهُوية الرقْمية مقابل الهُوية الواقعية، حيث انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح للأفراد ما يُعرف بـ «الهُوية الرقمية»، وهي الصورة التي يقدمونها لأنفسهم عبر الإنترنت. هذه الهُوية قد لا تكون دائمًا مطابقةً للهُوية الواقعية. فالكثير من الأشخاص يختارون إظهار جوانب معينة من حياتهم، بينما يخفون الجوانب الأخرى. هذا الفصل بين الهُوية الرقمية والواقعية قد يؤدي إلى صراع داخلي عند البعض، خاصة إذا كان هناك اختلاف كبير بين الاثنين.

ولذلك نرى أن التحديات النفسية والاجتماعية تؤثر على الأمور التالية:

– ضغط المقارنة: يميل الأفراد، خاصة الشباب، إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين الذين يظهرون حياةً مثاليةً عبر وسائل التواصل، وهذا قد يؤدّي إلى انخفاض تقدير الذات.

– السعي وراء القَبول: أصبح عدد «الإعجابات» و«التعليقات» على المنشورات مقياسًا شعبيًا للقَبول الاجتماعي، ويعتمد عليه البعض لتقييم قيمته الذاتية، ما يخلق ضغوطًا نفسيةً مستمرةً.

ولذلك إعادة تعريف العَلاقات الاجتماعية أثرت على وسائل التواصل الاجتماعي وغيّرت الطريقة التي يتفاعل بها الأفراد مع الآخرين. بينما توفر هذه الوسائل فرصًا للتواصل مع الأصدقاء والعائلة حول العالم، إلا أنها أحيانًا تقلل من جودة التفاعل الشخصي، إذ يطغى التفاعل الافتراضي على العَلاقات الواقعية.

الفوائد الإيجابية لتشكيل الهُوية رغم التحديات:

تقدم وسائل التواصل الاجتماعي مزايا كبيرة في بناء الهُوية الفردية، مثل:

– التعبير عن الذات: المِنصات مثل «إنستغرام» و«تويتر» تسمح للأفراد بالتعبير عن أنفسهم.

– بناء المجتمعات الافتراضية: تُسهل هذه الوسائل إنشاء مجتمعات مشتركة.

التوصيات لتعزيز الهُوية الفردية بشكل إيجابي، تتلخص في التالي:

1- استخدام وسائل التواصل بوعي: بدلًا من قضاء ساعات طويلة في التمرير العشوائي، يمكن للأفراد التركيز على استخدام هذه الوسائل لتطوير مهاراتهم أو تعلم أشياء جديدة.

2- التوازن بين الحياة الرقْمية والحقيقية: ينبغي على الأفراد تعزيز العَلاقات الواقعية وعدم الاعتماد فقط على التفاعلات الافتراضية.

3- تجنب الوقوع في فخ المقارنة: من المهم أن يدرك الأفراد أن ما يُعرض على وسائل التواصل غالبًا ما يكون جزءًا مختارًا من حياة الآخرين.

4- تعزيز الوعي الذاتي: يجب على الأفراد قضاء وقت للتفكير في قيمهم ومبادئهم الخاصة.

وفي الختام، تلعب وسائلُ التواصل الاجتماعي دورًا مزدوجًا في تشكيل الهُوية الفردية؛ فهي أداة قوية قادرة على تعزيز النمو الشخصي والإبداع، لكنها في الوقت نفسه قد تحمل مخاطر نفسية واجتماعية لتحقيق أقصى استفادة منها، ويتطلب الأمر وعيًا كاملًا بتأثيرها، واستخدامها بشكلٍ متوازنٍ يُعزّز القيم الفردية ويُحافظ على الهُوية الحقيقيّة.

 

@fatin_alsada

@dr.fatin.alsada

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X