المحليات
وقفية «بناء المساجد» ركن أساسي في تعزيز الهوية الإسلامية.. د. أحمد الفرجابي:

الوقف ركيزة في الاقتصاد الإسلامي وأداة لتعزيز استدامة المساجد

دور كبير للوقف في دعم المجتمع وتعزيز التنمية المستدامة

أوقاف قطر التاريخية: نماذج ملهمة لبناء المساجد ودعم المجتمع

«وقفية المساجد» ريع دائم لتعمير بيوت الله وصيانتها

المساجد مراكز للعبادة والتعليم وتعزيز التكافل المجتمعي

استراتيجيات مبتكرة للإدارة العامة للأوقاف لتعظيم عوائد الوقف

أكد الدكتور أحمد الفَرَجابي الداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن الوقف ركيزة أساسية في الاقتصاد الإسلامي، موضحًا أن فكرة الوقف تقوم على حبس الأصل وتسبيل المنفعة، ما يتيح للمجتمع الاستفادة من موارد الأصول والأموال الموقوفة بشكل مستدام.

وأضاف بأن وقفية «بناء المساجد» تُعد من أهم الوقفيات، حيث يُوَجَّه ريعها لبناء المساجد أو تطويرها وصيانتها، مشيرًاً إلى أن المساجد ليست أماكن للعبادة فقط، بل تعمل كمراكز تعليمية وتثقيفية واجتماعية تُسهم في تعزيز الروابط بين أفراد المجتمع الإسلامي.

وأوضح أن الإدارة العامة للأوقاف تولي اهتمامًا كبيرًا بإدارة الأصول الوقفية بكفاءة، وتنويع الاستثمارات، لضمان استدامتها وتعظيم ريعها، بما يعود بالنفع على الواقف والمجتمع.

  • ما هو الأساس الشرعي لفكرة الوقف بشكل عام ووقف بناء المساجد على نحو خاص؟

– بدايةً أود أو أوضح أن الوقف هو الركيزة الثالثة التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي بعد المال العام والخاص، ويعتبر وجوده دعمًا ثابتًاً للتقدم والازدهار في المجالات الموقوف عليها.

وفكرته تقوم على حبس الأصل وتسبيل المنفعة، فالواقف يمكن أن يوقف عقارًا وهو الأصل في هذه الحالة، ويشترط أن يُصرف ريعه على أي من أوجه الخير، وفي وقفية بناء المساجد يشترط الواقف أن يُنفقُ ريع وقفه على بناء المساجد أو تطويرها أو صيانتها وما إلى ذلك، فالفكرة هنا تقوم على استثمار الأموال أو الأصول وصرف ريعها على بناء المساجد، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ماتَ الإنسانُ انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه الإمام مسلم. والصدقة الجارية هنا هي الوقف.

وكما في الحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من بنى لله مسجدًا ولو كمِفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة». إسناده صحيح. وهذا الحديث يحث على بناء المساجد، حتى ولو شارك في جزء صغير بقدر مِفحص القطاة، لكنه جاء بصيغة المبالغة بمعنى ابْنِ ما استطعت، وهذا يُستدل به بجواز المشاركة في بناء أوقاف المساجد، لأن مِفحص القطاة بمقدار سنتيميترات بسيطة، فالمشاركة بهذه المساحة البسيطة كأنك بنيت مسجدًا.

  • ما هو الدور الذي يلعبه الوقف في تعزيز الهوية الإسلامية وتقوية الروابط الاجتماعية، وكيف تسهم المساجد الموقوفة في تحسين الحياة الاجتماعية للمسلمين؟

– الوقف يُسهم إلى حد كبير في إيجاد موارد مالية مستدامة ومتجددة تُستخدم لتلبية احتياجات المُجتمع المختلفة، سواء كانت دينية، تربوية، غذائية، اقتصادية، صحية، وتعليمة. وهذه الموارد تساعد على تعزيز استقرار المجتمع وتقدمه من خلال دعم البنية التحتية الاجتماعية، كما يسهم الوقف في تعزيز العلاقات الاجتماعية عبر التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، ما يقوي شبكة العلاقات، ويعزز الترابط المجتمعي، ويجعله أداة فعّالة لدعم التنمية المستدامة في مختلف المجالات.

والمساجد الموقوفة بمفهومها الواسع الشامل، فهي ليست أماكن للعبادة فقط، بل هي مراكز اجتماعية تجمع الناس من مختلف فئات المجتمع، وتُسهم في تعزيز التواصل الاجتماعي والتعاون بين المسلمين، ومن ناحية أخرى تُستخدم المساجد كمراكز تعليمية تُقدم دروسًا دينية وتعليمية متنوعة، وهذا يسهم في نشر العلم والثقافة الدينية التي تعزز تربية الأجيال وتطويرهم، بالإضافة لتنظيم حملات توعية، ما يسهم في تحسين حياة الأفراد، ويعزز من روح التكافل.

  • ما أبرز المساجد التي أوقفها القطريون قديمًا؟

– ازدهر الوقف في قطر مع نشأة الدولة، حيث كان المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني «رحمه الله» حريصًا على رفعة الدين ونشر العلم، بشتى الوسائل والسبل، فأوقف الوقوف العديدة داخل البلاد وخارجها، وكذلك فعل أهل قطر الكرام، ومن المساجد التي بناها وأوقفها الشيخ محمد بن ثاني والد المؤسس مسجد الدوحة، والمشهور حاليًا بمسجد الأحمد.

وكذلك بنى الشيخُ جاسم عددًا من المساجد داخل قطر وخارجها، فمن المساجد التي بناها في قطر مسجد أبو القبيب، ومسجد الوسيل. وعلى هذا المنوال وقّف أهل قطر المساجد وغيرها، وتعد أوقاف قطر التاريخية نماذج ملهمة لبناء المساجد ودعم المجتمع.

  • كيف تشجع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على بناء المساجد؟ ولماذا خصصت الإدارة العامة للأوقاف مصرفًا وقفيًا لخدمة المساجد؟

– انطلاقًا من قوله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)، وقول النبي «صلى الله عليه وسلم»: (من بنى مسجدًا، يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة) «صحيح الجامع»، ولرغبة أهل الخير من أبناء قطر الكرام وتوجههم إلى الوقف على المساجد، فقد تم تخصيص مصرف وقفي يُعنى بشؤون المساجد، من بناء وصيانة ورعاية، ومساهمة في عقد البرامج والدورات التأهيلية للارتقاء بمستوى الأئمة ودَوْر المسجد.

ويهدف المصرف الوقفي لخدمة المساجد إلى بناء بيوت الله تعالى، وصيانتها ورعايتها، بالإضافة إلى إحياء رسالة المسجد في المجتمع.

  • كيف يمكن ضمان استدامة الوقفية، لضمان خدمة المساجد وصيانتها ورعايتها؟

– يمكن تحقيق ذلك من خلال تنويع مصادر دخل الاستثمارات الوقفية، وإنشاء مشاريع تدرُ دخلًا مُنتظمًاً، واستثمار أموال الوقف في مشاريع تجارية أو عقارية ذات عوائد ثابتة، ما يسهم في دعم المساجد بشكل مستدام.

كما يمكن أيضًا تأسيس صناديق استثمارية وقفية يكون هدفها الأساسي تمويل المساجد بشكل دائم، حيث يتم استثمار أموال الصناديق في مشاريع تدر أرباحًا تسهم في تغطية احتياجات المسجد.

ومن الملاحظ أن القائمين على الإدارة العامة للأوقاف بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية يقومون بإدارة الوقف بشكل مثالي، وباستخدام آليات محاسبة دقيقة ومراجعات مالية دورية لضمان كفاءة الإنفاق واستدامة الوقف، بالإضافة إلى التخطيط المالي طويل الأجل الذي يركز على النفقات اللازمة لصيانة المسجد وتغطية نفقاته اليومية والطارئة، ما يسهم في الحفاظ على استدامته.

بشكل عام تحرص الإدارة العامة للأوقاف على إدارة الأصول الوقفية من خلال صيانتها وتحسينها أو تطويرها، ما يعد جزءًا أساسيًا من الإدارة الناجحة، وإعادة تأهيل أو استثمار العقارات الوقفية الاستثمارَ الأمثل لتحسين عائداتها.

  • هل يمكن أن يوقف المحسن على مسجد بعينه في منطقته أو مدينته؟

– بالطبع، يمكن للواقف أن يقوم بالوقف لصالح بناء مسجد معين، ونجد أن الإخوة في الإدارة العامة للأوقاف مشكورين قد قدموا هذه الخدمة من خلال نافذة: «بناء مسجد» عبر الموقع الإلكتروني للإدارة العامة للأوقاف وتطبيقها المخصص لأجهزة الهاتف المحمول، ومن خلالهما يمكن للواقف التعرف على مواقع المساجد المقترحة، وأقرب المساجد لمنطقته عبر الخرائط، والمساهمة في بنائها. والمساجد المعلنة الآن 6 مساجد تستقبل الأوقاف بمناطق: معيذر الجنوبية، والمرة الشرقية، ومعيذر الشمالية، والمشاف، وروضة أبي الحيران، ومنطقة أم عبيرية.

  • ما الحافز الذي يدفع الشباب ورجال الأعمال إلى المساهمة في الوقف؟

– أكثر ما يحفز الجميع على الوقف هو أنه صدقة جارية، ينتفع به الإنسان بعد موته، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.

والمستثمر لآخرته يعلم بأن الوقف سبيل لاستثمار أخروي؛ ما سيدفعه إلى الوقف ليكون له ذخرًاً بعد موته، وسيحرص على تنويع مصارفها كما يحرص على تنويع مصادر دخله، ولنتأمل قول الله عز وجل «يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ» غافر: آية 39.

وأود هنا أن أنوه بوقفية «وقف الوقوف» هذه الفكرة الرائدة التي أطلقتها الإدارة العامة للأوقاف، وتهدف لإنشاء أوقاف أخرى متفرعة من ريع الوقف الأصلي ذاته، وهي تضمن بذلك نمو الوقف، واستمرار تفرع أوقاف جديدة عنه، وليس فقط استمرار أصله وريعه، ما يُرجى منه عظيم الأجر والثواب. فعلى سبيل المثال يمكن أن يشترك أصدقاء أو عائلة في وقف عقار مثلًا ويشترطوا أن يذهب جزء من ريعه إلى وقفية بناء المساجد، وجزء آخر لإنشاء وقفيات جديدة.

  • ما هي الرسالة التي توجهها لمن لا يوقف خشية الفقر؟

– الذي يخشى الفقر عليه بكثرة الإنفاق وإنشاء الوقفيات، فإنه سيجد أثر ذلك في حياته وبعد وفاته، فالله عز وجل يقول: « وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» سبأ: آية 39، وذكر ابن كثير في تفسير هذا الجزء من الآية: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، كما ثبت الحديث الذي رواه أبو هريرة وأخرجه البخاري، في الحديث القدسي: يقول الله تعالى: «يا ابن آدم أنفِق أُنفق عليك».

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا». «صحيح الإمام البخاري».

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X