كتاب الراية

مجرد رأي.. كندا بعد ترودو

تحديات المُستقبل ودروس الماضي

أعلن جاستن ترودو استقالته من زعامة الحزب الليبرالي بعد سنوات طويلة من قيادته لكندا، فاتحًا الباب أمام فصل جديد في السياسة الكندية. ورغم أن إرثه يحمل في طياته إنجازات وتحديات على حد سواء، فإن هذه اللحظة تقدم فرصة لإعادة التفكير في مستقبل كندا، بلد لطالما كان ركيزة أساسية في الاستقرار العالمي والسلام الدولي.

لقد جاء ترودو إلى السلطة عام 2015 وسط موجة من التفاؤل الشعبي، رافعًا شعارات التقدمية والمساواة والمصالحة مع السكان الأصليين. قاد كندا في فترة عصيبة عالميًا، اتسمت بأزمات اقتصادية، وصعود النزعات الشعبوية، وتحولات جيوسياسية كبرى. يمكن أن يُحسب له تبني سياسات بيئية طموحة، ومحاولات جادة لمواجهة تغيّر المُناخ، فضلًا عن تعزيز التنوع وقبول الآخر في مجتمع كندي مُتعدد الثقافات.

لكن هذه الإنجازات لم تكن كافية لتجاوز التحديات الداخلية. على الصعيد الاقتصادي، عانت كندا من أزمات في السكن، وتزايد تكلفة المعيشة، وانتقادات لسياسات حكومته التي رأى البعضُ أنها تفتقر إلى رؤية طويلة المدى. وعلى المستوى الدولي، واجهت حكومته صعوبات في التعامل مع قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، خاصة في ظل التغيرات السياسية المتسارعة هناك.

كندا، تاريخيًا، لطالما كانت قوة ناعمة عالمية، تسعى للوساطة ونشر السلام. موقعها كجسر بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب، يمنحها دورًا لا غنى عنه في النظام الدولي. هذه الاستقالة تضع البلاد على مفترق طرق، حيث تواجه القيادة الجديدة -سواء أكانت من داخل الحزب الليبرالي أمْ من المحافظين- مسؤولية تاريخية لتعزيز هذا الدور وضمان استمراريته.

إنَّ مستقبل كندا يتطلب اليوم قيادة قوية قادرة على مواجهة التحديات المحلية، من اقتصاد مُتغير ومجتمع يواجه ضغوطات داخلية، والتفاعل بحكمة مع عالم مضطرب. القيادة الجديدة تحتاج إلى رؤية تجمع بين الواقعية والطموح، لتحافظ على مكانة كندا كدولة تقدمية ومؤثرة عالميًا.

الرأي الأخير…

إن ما هو جيد لكندا ليس مهمًا لها وحدها، بل للعالم أجمع. دولة قوية ومستقرة في شمال أمريكا تسهم في استقرار النظام الدولي بأكمله. ربما لم يكن ترودو ذاك الشخص الذي تحتاجه كندا اليوم فهذه الاستقالة ليست نهاية حقبة فقط، بل بداية لفرصة جديدة يجب أن تدعمها الأسرة الدولية، لأن كندا القوية هي ضمانة لمستقبل أفضل للعالم. مع كل تغير سياسي، تبقى قيم كندا التعددية والديمقراطية حجر الأساس الذي يجعلها نموذجًا عالميًا يُحتذى به.

(Le Canada doit toujours viser plus haut)

إلى اللقاء في رأي آخر،،،

 

 

 

كاتب شؤون دولية وقانوني قطري

Twitter:@NawafAlThani

http://www.NawafAlThani.com

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X