المنبر الحر

الهجرة وأحلام الشباب الضائعة

بقلم /  عبد الكريم البليخ – النمسا

 

 

يعيش كثير من الشباب اليوم حالةً من البطالة والانتظار، يتطلعون بشغف إلى الخروج من أوضاعهم الصعبة، ويحلمون بتحقيق ذواتهم. بالنسبة لهم، الهجرة والسفر هما المفتاح الوحيد لتحقيق تلك الأحلام، خاصةً بعد سنوات طويلة من الانتظار دون فرصة عمل تتيح لهم بناء مستقبل مستقر.
الشباب الذين يعانون هذه الأوضاع ينتمون لفئات متعددة. هناك من يحملون شهاداتٍ عليا ولم يجدوا سوق عملٍ تستوعب مهاراتهم، وهناك من اضطروا لترك الدراسة مبكرًا بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية، ولم يتمكنوا من تأمين قوت يومهم. هذه الأزمة تتفاقم مع اطلاعهم على صورة أوروبا المثالية التي تُظهرها وسائل الإعلام، حيث تروى قصص النجاح المبهرة لأولئك الذين عادوا بسيارات فارهة وأرصدة مالية، وصورٍ براقة عن حياة تبدو وكأنها حلم.
هذا التباين بين الواقع والحلم جعل الكثير من الشباب يرون في الهجرة، سواءً الشرعية أو غير الشرعية، السبيل الوحيد لتحقيق نقلة نوعية في حياتهم. لكن، في واقع الأمر، الهجرة ليست دائمًا الحل السحري الذي يظنون أنه سينقلهم من البؤس إلى النعيم. فهي، بالنسبة للكثيرين، رحلة محفوفة بالمخاطر والآلام، وفي أحيان كثيرة لا تحقق الأحلام بل تزيد من تعقيد المعاناة.

الشباب يحلمون بمستقبل أفضل: كسب المال، امتلاك منزلٍ فاخر، سيارة أنيقة، وتحقيق الاستقلال المالي الذي يمنحهم مكانة اجتماعية مرموقة. هذه الأحلام بحد ذاتها مشروعة، لكن المشكلة تكمن في أن إهمال الدولة لهذه الفئة من المجتمع يجعل من تحقيقها تحديًا مستحيلًا داخل الوطن.
الإهمال يؤدي إلى اضطراب العلاقة بين المواطن والدولة، ويشوّه مفاهيم الانتماء، فيصبحُ الشبابُ أكثر رغبةً في البحث عن هويتهم ومستقبلهم خارج الحدود. وهنا تتنامى القيم السلبية في المجتمع، كاللامبالاة، والبحث عن الحلول الفردية على حساب العمل الجماعي لبناء مستقبلٍ أفضل للوطن.
إن الاستثمار في الشباب هو الأكثر ربحية لأي دولة تسعى للتقدم والازدهار، على أن يكون هناك توجه واضح نحو بناء القدرات الوطنية وتطوير القطاعات الاقتصادية، ما يخلقُ فرصَ عمل حقيقية تمكّن الشباب من تحقيق طموحاتهم داخل بلدهم.
على الدولة تبنِّي برامج تدريبية وتأهيلية تناسب سوق العمل، ما يجعلُ الشباب أكثر تنافسية، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمُتوسطة التي يمكن أن تكون بوابة للشباب لتحقيق طموحاتهم دون الحاجة إلى الاعتماد على الهجرة، أضف إلى ذلك تحسين الظروف الاقتصادية عبر سياسات تنموية شاملة توفر بيئة مناسبة للشباب لتحقيق أحلامهم، وتعزيز الانتماء الوطني، يجب أن يشعر الشباب أن وطنهم يهتم بهم ويمنحهم الفرص، وهذا لا يتحقق إلا من خلال علاقة متوازنة بين الحقوق والواجبات، الشباب هم العمود الفقري لأي أمة، وإهمالهم لا يؤدي فقط إلى خسارة ثروة بشرية هائلة، بل يفتح البابَ أمام تفكك اجتماعي واقتصادي. إذا أردنا بناء مستقبلٍ قوي، علينا أن نبدأ من الشباب، لأنهم أساس النهضة، وحجر الأساس الذي يُبنى عليه أي مُجتمع مُتقدم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X