ضوء أخضر.. تحديد الأولويات وسيلة لتعزيز الصحة النفسية

في حياتنا اليومية، كثيرًا ما نجد أنفسنا أمام سؤال عميق يفرض نفسه: ما هي أولوياتنا؟ هذا السؤال ليس مجرد استفسار عابر، بل هو مدخل إلى فهم طبيعة قراراتنا، وتنظيم أوقاتنا، وتحديد قيمنا، فالأولويات في الحياة ليست مجرد اختيارات فردية، بل تتشكل وفقًا لثقافتنا، قيمنا، وبيئتنا الاجتماعية، فالأولويات ليست ثابتة، بل تتغير وفقًا للمراحل التي نمر بها في حياتنا، المُهم أن ندركها بوضوح، ونحترمها لكي نعيش حياة متوازنة مملوءة بالإنجازات والانسجام.
لا شك أن الأولويات القصوى، مثل الصحة والعائلة والعمل، تأتي غالبًا نتيجة تأثيرات اجتماعية وأسرية، وفي المُقابل، تأتي الأولويات الأدنى كنتيجة للتفضيلات الشخصية أو الاحتياجات المؤجلة، مسألة تحديد الأولويات قد تبدو مهمة شخصية بحتة، ولكن في الواقع، الأولويات الفردية كثيرًا ما تتقاطع مع أولويات الآخرين، ما يؤدي أحيانًا إلى تعارض المصالح، على سبيل المثال، قد يركزُ شخصٌ على تحقيق طموحاته المهنية، بينما يحتاج أحد أفراد عائلته إلى دعمه العاطفي أو المادي. السؤال هنا: كيف نوازن بين أولوياتنا وأولويات من حولنا؟
في اعتقادي الشخصي أن احترام أولويات الآخرين -سواء على المستوى الأسري أو محيط العمل- يعكس مستوى النضج والتقدير المُتبادل بين الأفراد، فالتفاهم حول أهمية أولويات الآخر -حتى لو تعارضت مع أولوياتنا- يُسهم في بناء علاقات أكثر انسجامًا واحترامًا، وقد يبدو التوفيق بين الأولويات المُختلفة مهمة مُعقدة، لكنها ليست مستحيلة، الحل يكمن في الحوار الصادق، والتخطيط المشترك، وإعادة تقييم الأولويات دوريًا حسب الظروف المُتغيرة.
وبحسب خبراء علم النفس، يُعتبر تحديد الأولويات مهارة أساسية لتحقيق النجاح الشخصي والمهني، وهو جزء من مفهوم إدارة الوقت والتنظيم الذاتي، تتعلقُ هذه المهارة بالقدرة على تحديد المهام أو القيم الأكثر أهمية والتركيز عليها لتحقيق أهداف طويلة أو قصيرة المدى، كما يُسهم تحديد الأولويات في تقليل التوتر وتحسين الصحة النفسية، ويساعد أيضًا على تخفيف الشعور بالإرهاق الناتج عن تراكم المهام، فعندما يركزُ الإنسان على المهام الأهم، يشعر بالسيطرة على حياته، ما يُقلل من القلق والتوتر، بالإضافة إلى زيادة الإنتاجية والكفاءة، عند تحديد الأولويات، يتم استغلال الوقت والجهد بفاعلية، ما يؤدي إلى إنجاز الأعمال بطريقة أسرع وأكثر تنظيمًا، وكذلك الوضوح والتركيز، حيث يُسهم تحديد الأولويات في خلق رؤية واضحة للأهداف، ما يمنحُ الشخصَ إحساسًا بالاتجاه، هذا الوضوح يساعد على التركيز على ما يهم فعلًا، دون التشتت بالمهام الأقل أهمية.
ويُسهم تحديد الأولويات أيضًا في تعزيز اتخاذ القرار، فعندما يحدد الإنسان أولوياته بناءً على القيم الشخصية أو الأهداف الكبيرة، يصبح اتخاذ القرارات اليومية أسهل وأكثر انسجامًا مع طموحاته، بالإضافة إلى تجنب الشعور بالندم، حيث يتيح تحديد الأولويات للشخص استثمار وقته في الأمور التي تتماشى مع قيمه وأهدافه، ما يقلل من احتمالية الندم على الأمور غير المُنجزة، لذلك فإن تحديد الأولويات ليس فقط مهارة تنظيمية، بل هو أيضًا وسيلة لتعزيز الصحة النفسية وتحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمِهنية.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر