كتاب الراية

دنيا .. كرسي «الحلاق».. باروكة أم شعر طبيعي؟

جاءَ إلى المنصِب من حيث لايعلم، اضطربت حياتُه من الظل إلى وهج الظهور والبروز، كان إنسانًا بسيطًا ككل أقرانه يفكر في يومه ويعيش أحلامه الصغيرة ، مبتسمًا متواضعًا، يرى التفاصيل ويحتفلُ بها، الظل وجود آخر يجعلُك أقرب إلى إنسانيتك، بل هو الوجود الحقيقي الذي يكشفُ حقيقة الإنسان، كم من عظيمٍ عاش في الظل، كم عبقريٍّ وحكيمٍ تعالى على أضواء المنصب، واكتفى منه بالتواضع والقرب من الناس. المنصبُ قاتل إذا كنتَ قادمًا إليه من فراغ وجوديّ، ستفقد السيطرة على نفسك وعلى تصرفاتك، سيجعلك تمشي على رأسك وأنت تعتقد أنك لاتزال ماشيًا على قدميك، سترى الناسَ صغارًا وتنسى لحظتك الصغرى، ستجعل بينك وبين الناس مسافة فيها كثير من العُلو والأنفة بعد أن كنتَ تلتصقُ بهم وتأنس لجوارهم، سيجعلُ منك المنصبُ وجودًا زائفًا يجاريه الناسُ في العلن فقط، كثيرون هم الذين سقطوا بعد إغواء المنصب من أعين الناس، يحرصون الآن بعد رحيل المنصب لمشاركة الناس والدخول بينهم ويلاحقهم في نفس الوقت ازدراءُ الناس ونظرات التهميش، قلة هم أولئك الذين كسروا هذه القاعدة فظفروا بحب الناس بعد المنصب بشكل جارف وكأنهم لايزالون مُتربعين على كرسيِّه، المنصب شَرَك أما أن تصطاده أو يصطادك، أبسط مَثَل يرددُه العامة هو وصفه بأنه كرسي «حلاق» الذي إذا اعتلاه ذو الشعر -دلالة على الغنى الوجودي- سيظفر منه بعد تركه بشعر أكثر كثافة ولمعانًا وإذا اعتلاه الأصلع -دلالة على الفقر الوجودي- سيتركه وقد سقطت باروكته وديس عليها بالأرجل، فمن يعتبر؟ وما أكثر العبر. عرف المُجتمع العديد من النماذج السلبية والإيجابية، إلا أن هناك مناصب لاتَحتمل التفكير إلا أن تكون مثالًا إيجابيًا لأنها تخص كل المجتمع فصاحبُها هنا لاخيار له إلا أن يكون بحجم المنصب وثقل المسؤولية، وإلا فإنه ينتحر اجتماعيًا، المجتمع يقتل من خلال نظرته، ويُقصي من خلال همسته، لايمكن إرضاء كل الناس، نعم هذه حقيقة، لكن الابتسامة وسهولة التواصل والأريحية في اللقاء والترحيب عند القدوم وغيرها من الأخلاقيات الاجتماعية ضرورية، لأن الإنسان نفْسٌ قبل أن يكون جسدًا، المواءمة بين حسن اللقاء وسهولة الاتصال والقدرة على الإنجاز ومساعدة الناس قدر المستطاع، هي روشتة النجاح الاجتماعي، والأمن النفسي لصاحب المنصب ولأفراد المجتمع كذلك، في ذهني أمثلة من السابق ومن الحاضر على من أحسن في أدائه للمنصب، بحيث يُقبل عليه الناسُ بعد تركه المنصب، وكأنه لايزال يشغله اعترافًا منهم بالجميل سواء كان ذلك بوجه باسم أو يد ممدودة، وليس لي حاجة لذكرها فالمجتمع يحملها في ضميره الجمعي. كن كبيرًا قبل الكرسي تبقى كبيرًا بعده.

[email protected]
@A_AzizAlkhater

 

 

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X