كتاب الراية

فيض الخاطر.. تعريب العلوم ضرورة أم ترف

ما زالَ بعضُ الباحثين لا يولون أهمية قصوى لتعريب العلوم، من خلال الإصرار على بقائها كما هي في لغاتها الأصلية باعتبارها منتجًا أجنبيًا تأصلت مصطلحاتُه في معظم لغات العالم، وهم ينظرون إلى أي جهد قد يبذل في تعريب العلوم كنوع من الترف الثقافي، مع توفر هذه العلوم في لغات الدول المنتجة لها، باعتبارها إرثًا إنسانيًا مشاعًا للجميع، مع أن دولًا كثيرة عكفت على ترجمة العلوم، ونقلها إلى لغاتها القومية اعتزازًا بلغاتها، وتأصيلًا لدورها في الحضارة الإنسانية.

وموضوع تعريب العلوم سبق أن طرحته هذه الجريدة للنقاش، في استطلاع صحفي شارك فيه كل من الدكتور على أحمد الكبيسي عضو المجلس العلمي لمعجم الدوحة الذي أكد أن: (التعريب أمر حتمي إذا أردنا المشاركة الفاعلة في إنتاج المعرفة والحضارة المُعاصرة، وهذا ما فعله علماء الحضارة الإسلامية حين ترجموا معارف من سبقهم، وكذلك فعل علماء الغرب حين ترجموا علوم الحضارة الإسلامية في أوائل عصر النهضة الأوروبية الحديثة)، والدكتور مرزوق يوسف الغنيم الذي أكد من جهته أن: (اللغة العربية أسهمت في المسيرة الحضارية البشرية، وكانت لغة العلم والثقافة، وطوعت الثقافات القديمة، ثم أبدعت وابتكرت وقدمت خلاصة تجاربها إلى أوروبا في مُختلف ميادين المعرفة).

كما شارك آخرون في هذا الاستطلاع الصحفي، حيث أكدوا أهمية تعريب العلوم باعتبار اللغة العربية قادرةً على القيام بهذه المَهَمَّة التي تؤكد المُساهمة العربية في الحضارة، كما كانت في أيام سيطرتها على المُناخ العلمي في العالم في أوج نهضة العرب العلمية، في دمشق الأموية وبغداد العباسية والأندلس العربية، ولا شك أن قوة اللغة مُكتسبة من قوة الأمة، والأمة العربية لها من التاريخ الحضاري ما يؤهلها لإعادة أمجادها في هذا المجال، وذلك لن يتحقق إلا بتكاتف المؤسسات العلمية المُختصة بما فيها مجامع اللغة العربية الموجودة في عواصم بعض البلدان العربية، وعلى الدول العربية أن تتبناه من خلال مؤسساتها العلمية ومراكزها البحثية، وهي تملك من الإمكانيات البشرية والمادية ما يسهل عليها القيام بهذا الدور، لتأكيد قدرة اللغة العربية على الإسهام في الحضارة الإنسانية المعاصرة من جهة، ومن جهة أخرى إثبات قدرتها على استيعاب المنتج العلمي الحديث من علوم ومخترعات ومكتشفات، والتفاعل معه، وتسهيل الوصول إليه بالنسبة للدارسين، بل وللناطقين بالعربية، وهي اللغة التي لا تحتاج لأن تعيش عالة على اللغات الأخرى في مجال العلوم، لأنها لغة قائدة وليست لغة تابعة، وتتوفر فيها من الإمكانيات ما لا يتوفر في غيرها، لوفرة كلماتها وما يتفرع عن هذه الكلمات من مفردات ذات اشتقاقات هائلة ليس من السهل حصرُها، وليس من الصعب تطويعها لاستيعاب أي منتج علمي جديد. وهي الأكثر من غيرها قدرة على التعامل مع تقنيات العصر المُتقدمة في جميع المجالات.

 

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X