اقتصاديات.. التحويلية والتحولات المرتقبة

بداية ينبغي أن نؤمن يقينًا بأن الدولة – قيادة وحكومة وشعبًا – تسير على النهج التنموي الإيجابي، والصحيح المنشود لأغلب الدول النامية الطموحة. وأن الدولة تسعى جاهدة بكل إمكاناتها الحاضرة إلى تطوير البلاد والعباد بيئيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وبشريًا. وهذا ما أكدت عليه وزارة التجارة والصناعة في كتيبها المصدر بمناسبة حفل تدشين استراتيجيتها الوطنية للصناعات التحويلية ( 2024 – 2030). بعد اطلاعي تفصيلًا على محتوياته من أرقام ومعدلات أداء ونسب نمو فعلية ومتوقعة ومؤشرات صناعية قطاعية وعامة، واستحداث صناعات جديدة، وتطبيق تكنولوجيات حديثة، وفتح قنوات استثمارية عديدة، وفرص عمل جديدة متاحة للمواطن والمقيم والزائر والعارض، وجدته حقيقة، عمليًا يثلج الصدر ويبشر بمستقبل واعد للصناعات التحويلية، التي ستكون منوطة بإحداث التنويع الاقتصادي المنشود الذي سيبعد الدولة تدريجيًا عن الاعتماد المفرط على الاقتصاد الهيدروكربوني.
السؤال الطبيعي الوارد هنا، لماذا يتجه القطاع الصناعي بالدولة حاليًا لبدء تنفيذ إجراءات ومراحل استراتيجيته الوطنية (2024 – 2030)، وما هي المعوقات الرئيسة الحالية أمام تقدم الصناعة التحويلية القطرية؟ ثم ما مميزات هذه الاستراتيجية؟ وما أهدافها المتوقعة بحلول عام 2030؟ أولًا لماذا؟ لأن هذه الاستراتيجية الوطنية الصناعية تأتي ضمن السياق الدولي امتثالًا لتوصيات برنامج الأمم المتحدة عام 2015 والمنبثق أساسًا من إعلان لجنة برونتلاند عام 1987 بشأن التنمية المستدامة. هذا البرنامج الأممي المعنون أهداف التنمية المستدامة، قد عرف التنمية المستدامة بأنها نموذج تنموي «يلبي احتياجات الجيل الحاضر دون الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها». ويتضمن 17 هدفًا أهمها القضاء على الفقر والجوع، السلام والعدل والمؤسسات القوية الخاضعة للمساءلة، ضمان حصول الجميع على طاقة نظيفة وبأسعار مناسبة لهم، مدن ومجتمعات مستدامة، العمل اللائق والنمو الاقتصادي، المساواة بين الجنسين، وغيرها. كذلك هذه الاستراتيجية تأتي في سياق محلي ضمن رؤية قطر الوطنية 2030. والتي تسعى إن شاء الله إلى تطوير البلاد والعباد قلبًا وقالبًا، وتبدأ بالتطوير البيئي من خلال تحقيق الاستدامة البيئية، ثم التطوير الاقتصادي عبر إدارة الموارد الطبيعية بحكمة ورشاد، وتوفير البنية التحتية الاقتصادية الشاملة لمختلف القطاعات والقوى المحفزة للاقتصاد، تكثيف وتوسيع قاعدة التنويع الاقتصادي، دعم وتعزيز القطاع الخاص بالمشاركة القوية في نشاطات التنمية وتجنب الاتكالية المفرطة على دور الحكومة، ثم ضرورة رفع إنتاجية الكادر القطري في عمليات وأهداف الإدارة الاقتصادية. أما من حيث التطوير الاجتماعي فرؤية قطر الوطنية تسعى جاهدة إلى تحقيق الحماية الاجتماعية والأمن والسلامة، ونشر القيم والمبادئ التي تحفظ التماسك الأسري، وتعزز ثقافة التسامح العالمي وتناصر التعاضد العروبي والتآخي الإسلامي، كذلك نشر الرياضات المختلفة لتكوين الأجسام القوية النشطة، ونشر الثقافة الواسعة والفنون المتعددة وعلى رأسها المسرح والفن السابع -السينما- لأنهما لغة التخاطب العصري بين الشعوب، وترويج التراث الشعبي الأصيل بآليات حديثة وتوزيعات موسيقية محسنة لكي يحقق انتشارًا جغرافيًا أوسع. من حيث التطوير البشري فالرؤية الوطنية 2030 ترنو إلى تعزيز وجود سكان أصحاء أجسامًا ونفوسًا، وكوادر متعلمة واحترافية، وعقليات إبداعية ابتكارية لتواجه تحديات التنمية بكفاءة واقتدار، وتعلي من مستوى الإنتاجية الوطنية في نشاطات القطاعين العام والخاص على السواء. أما للإجابة على الجزئية الثانية من السؤال أعلاه حول معوقات الصناعة التحويلية، وأهم مميزات الاستراتيجية الصناعية وأهدافها المتوقعة بحلول 2030.
فللحديث بقية..
خبير اقتصادي