رأيت ذات فيلم.. A Real Pain

يفتتح الفيلم مشاهِدَهُ في المطار على أنغام معزوفة البيانو «Nocturne No. 2» لتنهال بعدها مجموعة من أجمل معروفات البيانو للموسيقار الكلاسيكي البولندي «فريدريك شوبان» على امتداد أحداثه، فالتقت عذوبة الموسيقى مع دفء المَشاهِد، وولّدا سحرًا سينمائيًّا خلّابًا، بالدراما والكوميديا السوداء.
فيلم «ألم حقيقي» هو ألم حقيقي شعرت به وعشت تفاصيله مع شخصين، جمعتهما صلة القرابة وذكريات الطفولة، وكانا بمثابة شقيقَيْن متلازِمَيْن، حتى مرّت الأعوام ومضى كلٌ منهما في طريقه.
أحدهما انتقل إلى نيويورك وعمِل في وظيفة لائقة، ويعيش سعيدًا مع زوجته وابنته، بينما الآخر ظلّ هائمًا على وجهه في الحياة، بلا وظيفة ولا هدف، ويعيش في حزن واكتئاب في عليّة منزل والديه.
بعد عدّة أشهر من وفاة جدّتهما، يلتقي «ديفيد» بابن عمّه «بينجي» في المطار، حيث قرّرا السفر إلى بولندا والانضمام إلى رحلة سياحية مع مجموعة أشخاص في ربوع البلاد، تكريمًا لذكرى وإرث جدّتهما بكونها ناجية من الحرب العالمية الثانية، وزيارة منزلها القديم، ولكن الرحلة تأخذ منعطفًا مظلمًا حين تبدأ التوتّرات بين «ديفيد» و»بينجي» بالظهور، والتي تكشف عن جروح قديمة لم تلتئم بعد.
الفيلم من إخراج «جيسي آيزنبيرغ»، الذي قام أيضًا بكتابة النص السينمائي، كما أدّى شخصية البطل «ديفيد»، وقد أبدع حقًّا كمخرج وكاتب وممثل، فهو من الشباب الموهوبين في هوليوود، والجدير بالذكر أنّه أنتج الفيلم مع زميلته الممثلة «إيما ستون» ومنتجين آخرين بميزانية ضئيلة لا تتجاوز 3 ملايين دولار.
كان الفيلم بسيطًا، ولم تكن هناك أيّة بهرجة ومبالغات إنتاجية، فقد اعتمد بشكلٍ كلّي على نصّه القوي بالأحداث والحوارات، والأداء الرهيب من طاقم الممثلين بقيادة «جيسي آيزنبيرغ».
«كيران كولكين» بدأ مشواره في التمثيل منذ طفولته في فيلم «Home Alone» مع شقيقه «ماكولي كولكين»، ولم يكن حضوره لافتًا آنذاك، ومع مرور الأعوام شارك في العديد من الأفلام بشخصيات مغمورة، حتى لمع بريقه مؤخّرًا في مسلسل «Succession»، وها هو يصل إلى القمة من خلال هذا الفيلم بأدائه الرائع والمؤثر بشخصية «بينجي»، ويبدو أنه في الطريق للفوز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد، لأنه الأفضل بلا منازع.
لا أعلم ما الذي جعلني أتعلّق بهذا الفيلم كثيرًا، فقد لامسني بصدقِ مشاعرِه وأحاسيسِه. ربّما لأنّه تناول الحزن والاكتئاب والألم بصورة واقعية جدًّا، أو لأنّه لم يسلك المنعطف الهوليوودي المعتاد بإيجاد الحلول وافتعال نهاية تقليدية، أو ربّما بسبب موسيقى «شوبان» التي تسلّلت إلى أعماق قلبي.
Twitter: @alqassimi88