كتاب الراية

همسات قانونية.. حالات الإثبات بشهادة الشهود

كانت شهادة الشهود -وما زالت- من أهم وسائل الإثبات وأعْظَمها مكانة وأقْدَمها استعمالًا، حيث تعاظمت مكانتها لدى المجتمعات البدائية وذلك قبل معرفة الكتابة، إلا أنها ومع بداية التطور وازدياد التعامل وفساد الأخلاق وكثرة شهود الزور بدأت تفقد مكانتها وقيمتها في الإثبات، ولذلك فقد نظم المشرع إجراءات الشهادة وحدد الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود، وكذلك الحالات التي لا يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود.

وتأتي التصرفات التجارية كأول ما يمكن إثباته بشهادة الشهود وذلك نظرًا للسرعة التي تتميزُ بها المعاملات التجارية وقيامها على عُنصر الثقة الذي يَسود بين التجار، ولذلك استثنَى المشرّع المعاملات التجارية من النصاب المالي للشهادة، ومن ثم فإن التصرفات التجارية يُمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات ومنها شهادة الشهود حتى لو زادت قيمة التصرف عن خمسة آلاف ريال، كما يمكن الاستعانة بشهادة الشهود لإثبات كل التصرفات المدنية إذا كانت قيمَتُها لا تُجاوز خمسة آلاف ريال، فإذا زادت قيمة التصرف القانوني عن خمسة آلاف ريال فإنه يتعين إثباته بالكتابة.

أمَّا عن الحالات التي لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود، فتأتي التصرفات القانونية غير محددة القيمة كأول تلك الحالات، إذ لا يجوز إثبات وجود أو انقضاء التصرفات القانونية غير محددة القيمة إلا بالكتابة، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك، حيث اعتبر المشرّع التصرفات غير محددة القيمة أن قيمتها تزيد عن نصاب الشهادة، ومن ثم لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود، كما لا يمكن الاستعانة بالشهادة لإثبات ما يُخالف أو يُجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي، وذلك نظرًا لأن الدليل الكتابي أقوى من الشهادة، فلا يجوز نقض الدليل القوي بدليل أضعف، كما أن وجود الدليل الكتابي يُفيد أن إرادة المتعاقدين قد اتجهت إلى الاتفاق على وجوب الإثبات بالكتابة، ويَسري هذا الحكم حتى ولو كان ما اشتمل عليه الدليل الكتابي في حدود النصاب المالي لشهادة الشهود.

وكذلك لا يمكن استعمال شهادة الشهود إذا كان المطلوب هو الباقي أو جزءًا من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة، كما في حالة الدّين المُقَسَّط فلو افترضنا أن قيمة الدَّين 12000 ريال، وقُسِّطَ هذا المبلغ على ثلاثة أقساط، فإذا طَالبَ الدائن بالقسط الأخير فلا يجوز له إثبات هذا القسط إلا بالكتابة بالرغم من أنه أقل من النصاب المالي للشهادة، حيث إن المشرّع أخذ بقاعدة أنَّ العبرة في إثبات الوفاء الجزئي بقيمة الالتزام الأصلي، وأخيرًا لا يجوز الاستعانة بالشهادة إذا طالب أحد الخصوم بما يزيد على خمسة آلاف ريال، ثم عَدَّلَ طَلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة، حيث اعتبر المشرّع أن قيمة الطلب الأول تُمَثّلُ القيمة الحقيقية للالتزام العقدي ومن ثم لا يجوز إثباته بشهادة الشهود.

 

[email protected]

(X) MajdFirm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X