بس أقول .. قطر ودبلوماسية العلوم

بقلم / سحر ناصر
الإبتكار يتطلب شجاعة، والشجاعة لا تأتي إلاّ إذا تعرّض المرء لضغوطات يكتشف من خلالها إمكاناته، أو تعرّض لموقف يختبرُ فيه مرونته وقدرته على ابتكار وسيلة ما لمعالجة ما يتعرّض له، والأهم أن يكون بطريقة إيجابية. كما هو حال الأفراد، كذلك هو حال الدول، التي تسعى إلى اعتناق الإبتكار كسياسية حتمية، وهذا ما برز مؤخرًا في النسخة الـ22 من منتدى الدوحة، التي انعقدت تحت شعار “حتمية الإبتكار”، وناقشت دور التكنولوجيا في بناء السلام، وأهمية التعاون العلمي في إيجاد الحلول للتحديات العالمية.
هذا ما يدفعنا إلى الحديث عن مفهوم جديد تبنتهُ الجمعية الملكية البريطانية بالتعاون مع الرابطة الأميركية لتقدّم العلوم، يُعرف بـ”دبلوماسية العلوم”، في تقرير صدر في يناير عام 2010 تناول “الحدود الجديدة في دبلوماسية العلوم”، وتم فيه التأكيد على أهمية الإبتكار ضمن الاتجاهات الجديدة لتغيير ميزان القوى، وضرورة تكيّف أدوات السياسات الخارجية للدول مع هذه المتغيرات الدولية.
وقد اُعتبر هذا التقرير بمثابة وثيقة شكّلت البداية الرسمية في العلاقات الدولية لمفهوم دبلوماسية العلوم التي تهدف إلى استخدام العلم كقوة ناعمة من أجل تحقيق الأهداف الدبلوماسية. وتجنبًا للخلط بين التعاون العلمي الدولي ودبلوماسية العلوم، فإن أركان دبلوماسية العلوم تتحقق بخدمة أهداف السياسة الخارجية للدولة، وتعزيز مصالحها الوطنية، والاستجابة للتحديات العالمية. كذلك ترتبط دبلوماسية العلوم ارتباطاً وثيقاً بالمنظومة العلمية الوطنية في الدولة التي تسمح لها بتوليد قوّتها الناعمة لرفع قدرتها على التأثير في السياسة العالمية.
خلال العقدين الأخيرين، برز الدور الجيو-سياسي الفاعل لدولة قطر من خلال استخدامها أدوات القوّة الناعمة كمنطلق أساسي لتفعيل سياستها الخارجية، وتحقيق أهدافها الوطنية. وقد تجسّد ذلك في دورها كوسيط ناجح في العديد من الملفات منها: دارفور، أفغانستان، لبنان، فلسطين، أوكرانيا، وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت السياسية الخارجية القطرية أشكال متعددة من الدبلوماسية العصرية في إطار القوة الناعمة، ومنها: الدبلوماسية التنموية، الدبلوماسية الرياضية، والدبلوماسية الثقافية.
تنطلق قطر اليوم لتكثيف جهودها في مجال “دبلوماسية العلوم” من خلال مبادرات عديدة، ومن المهم أن تتلقف المنظومة الوطنية والعربية هذه الفرصة التي تُبقي الأمم على قيد الحياة، لا سيّما في ظلّ النقاشات الدولية الحالية عن أهمية الإبتكار في التعامل مع متغيرات النظام العالمي، والذي كتب عنه المؤلف “راي داليو” في أواخر نوفمبر من العام 2021، وفيه حدّد أسباب نجاح الأمم وإخفاقاتها. فهل ستستطيع قطر إعادة إحياء دبلوماسية العلوم العربية والإسلامية التي أنارت الطريق للأمم السابقة نحو العصر الذهبي؟
Email: [email protected]