قضايا وأحداث.. غزة.. قوة الإيمان وغطرسة العدوان

غَزَّة، وَلْيَمْسَحِ التَّارِيخُ كُلَّ سُطُورِهِ يَكْفِي مِنَ الْأَمْجَادِ مَا فِي سَطْرِهَا
يعد الإعلان عن التوصل لاتفاق إسرائيل وحركة حماس بشأن وقف إطلاق النار في غزة، تتويجًا لجهود دولة قطر المخلصة بتوجيهات ورعاية حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، ومتابعته الحثيثة للمفاوضات المضنية والصعبة، في سبيل وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني.
تواصل الوساطة القطرية مع شركائها (مصر وأمريكا) جهودها لضمان تنفيذ الاتفاق بشكل كامل ابتداءً من اليوم الأحد، بما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة. يساعد الاتفاق في إدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية بشكل آمن وفعّال على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المستشفيات، والمراكز الصحية، والمخابز، وإدخال مستلزمات الدفاع المدني، والوقود، ومستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا منازلهم نتيجة للعدوان الغاشم.
لقد شاهدنا منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم الموت والجِراح وتدمير المنازل والجوع والمذابح الوحشية بحق الأطفال والنساء وكبار السن والصحفيين والأطباء والمُسعفين والطلاب والمعلمين والمتطوعين ورجال الدين. فقد استشهد ما بين 50-60 ألف شخص خلال أكثر من 410 أيام، وتحولت غزة إلى مدينة للأشباح. ولهذا فإن المتابع لتلك المشاهد الذي يتساءل هل يستحق ما حدث كل تلك التضحيات، فعليه أن ينظر إلى المشهد برمته من وجهة نظر أهل غزة الذين خاضوا الحرب بكل جوانبها النفسية والعسكرية والاقتصادية، لذلك فإنهم وحدهم القادرون على الحكم وتقديم الإجابات الصحيحة على ما يدور من تساؤلات.
والأمر بالنسبة لأهل غزة عقيدة دينية ووطنية تتمثل في الجهاد في سبيل الله والدفاع عن وطنهم، والاستشهاد دفاعًا عن الوطن جزء لا يتجزأ من تلك الحياة. لذلك لا ينبغي لأحد أن يحاول إجراء حسابات للربح والخسارة بالنظر إلى الثمن الذي دفعه سكان غزة فقط، لا سيما من وجهة نظر غزاويَّة أن ننظر إلى هذه النتيجة أي ما حققوه من انتصار عظيم وشرف وكرامة. فبأسلحة بسيطة دخلوا هذه الحرب الضَّروس غير المتكافئة واثقين في وعد الله، وحققوا هدفهم، وفضحوا وحشية إسرائيل على مرأى ومسمع من الجميع.. وكشفوا أكاذيب ودعاوى إسرائيل بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وأنها الإدارة الأكثر حداثة وإنسانية في الشرق الأوسط.
وكانت النتيجة أن فشلت إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها في عدوانها الوحشي الذي بدأ مباشرة بعد 7 أكتوبر بعمليات إبادة جماعية ضد الإنسانية في غزة.
فقد كانت تستهدف في المقام الأول القضاء على حماس وإخراجها من غزة، بالإضافة إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس، لكنها لم تتمكن من تحقيق أي شيء.
ورغم كل ما قامت إسرائيل به من تدمير واغتيال لقادة حماس مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار فلم يضعف ذلك من المقاومة التي استمرت حتى اضطر الكيان الإسرائيلي صاغرًا في النهاية أن ينتظر توقيع حماس على اتفاق السلام.
قبل أيام اعترف أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي بأن إسرائيل فشلت في توجيه ضربة قاضية لحماس التي لا تزال قادرة على المقاومة ورد العدوان، وأكد أن حماس عوضت عدد مقاتليها الذين فقدتهم بمقاتلين جدد رغم القصف المستمر من إسرائيل على مدار 466 يومًا.
والحقيقة أن المقاومة الفلسطينية وعلى مدار 15 شهرًا أذلَّت إسرائيل، وتمكنت من الرد عليها في كل لحظة وعلى كل متر من غزة، واستخدمت في ذلك حطام الأسلحة الحديثة التي تلقتها إسرائيل من أمريكا لتقصف بها كل مكان ينبض بالحياة في غزة، فتمكنت المقاومة من إعادة تدوير الحطام لتصنيع أسلحتها الخاصة للدفاع عن أنفسهم ووطنهم. وقد أصاب هذا الواقع إسرائيل وداعميها بالجنون حين رُدَّت بضاعتهم الخبيثة عليهم دمارًا وهزيمة.
ماذا يفعلون بعد حصار غزة لسنوات طويلة برًّا وبحرًا وجوًّا بدعم عالمي؟! ثم تخرج عليهم روح غزة لم تكن في الحسبان لتعطي درسًا للجميع، وتقول: دعهم يفرضون الحصار والحظر كما يريدون، ودعهم يحاولون التدمير بقدر ما يريدون فنحن لا نخشى إسرائيل، ونؤمن بأن زوال البغي في بذل الدم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أكاديمي وسياسي وكاتب تركي