المنبر الحر

قصة النبي إلى الطائف

بقلم /  د. سلطان بن عوض دريع

 

عَنْ عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قال: لمّا تُوفِّيَ أبو طالِبٍ، دعا الرسول صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسْلامِ فلم يُجيبوه، فانْصَرَفَ وخَرَجَ النَّبيُّ ﷺإلى الطّائِفِ ماشِيًا على قَدَمَيه، فأتى ظِلَّ شَجَرة عنب، فصلّى تحتَها رَكْعتَينِ، ثُمَّ قالَ: (اللَّهُمَّ إليك أَشْكو ضَعْفي وهَواني على النّاسِ، أَرحَمَ الرّاحِمينَ إلى مَن تَكِلُني، إلى بَعيدٍ يَتَجَهَّمُني أم إلى قَريبٍ مَلَّكْتَه أمْري، فإن لم تكنْ ساخِطًا عليَّ فلا أُبالي، لك العُتْبى حتّى تَرْضى، أَعوذُ بنورِ وَجْهِك الكَريمِ الَّذي أضاءَتْ له السَّماواتُ وأَشرَقَتْ له الظُّلُماتُ وصَلحَ عليه أمْرُ الدُّنْيا والآخِرةِ أن يَنزِلَ عليَّ غَضَبُك أو يَحِلَّ عليَّ سَخَطُك، إن لم تكنْ غَضبانَ عليَّ فلا أُبالي، غَيْرَ أنَّ عافيتَك أَوْسَعُ لي، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بك). أخرجه ابن هشام، والطبراني، وصحح إسناده العلائي وحسنه الداراني. فلما رآه ابنا ربيعة، تحرَّكت له رحمهما، فدعَوا غلامًا لهُما نصرانيًّا، يدعى عدّاسًا وطلبا منه أخذ عنب وتقديمه للنبي ﷺ فلمّا وضعَهُ بينَ يدَي النبي ﷺ مدَّ يدَهُ إليه قائلًا: (باسمِ اللَّهِ) ثمَّ أكلَ، فقال عدّاسُ إنَّ هذا الكلامَ ما يقولُهُ أَهْلُ هذِهِ البلدةِ قال لهُ النَّبيُّﷺ: (مِن أيِّ البلادِ أنتَ؟)، قال: أَنا نصرانيٌّ من نينَوى، فقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: (أمنَ قريةِ الرَّجلِ الصّالحِ يونس بن متّى؟)، قال لهُ: وما يُدريكَ ما يونسُ؟ قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: (ذلكَ أخي، كانَ نبيًّا وأَنا نبيٌّ). فأَكَبَّ عدّاسٌ على يدَي رسولِ اللَّهِ ﷺ ورجليهِ يقبِّلُهُما. فقال ابنا ربيعة، أحدُهُما للآخرِ: أمّا غلامُكَ فقد أفسدَهُ عليكَ، فلمّا جاءَ عدّاسُ قال لهُ: ويحَكَ ما هذا؟ قال: ما في الأرضِ خيرٌ مِن هذا الرَّجلِ.
وعن رقيقة بنت وهب الثقفية قالت: لمّا جاءَ النَّبيُّ ﷺ يَبتَغي النَّصرَ بالطائفِ، فدخَلَ عليها، فأمَرتُ له بشَرابٍ مِن سَويقٍ، فشَرِبَ، فقال لي رسولُ اللهِ ﷺ: (لا تَعبُدي طاغيَتَهم، ولا تُصَلِّي إليها). قلتُ: إذَنْ يَقتُلوني. قال: (فإذا قالوا لكِ ذلكَ فقولي: ربِّي رَبُّ هذه الطّاغيةِ، فإذا صَلَّيتِ فوَلِّيها ظَهرَكِ). ثمَّ خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ مِن عِندِهم، قالتْ بنتُ رُقَيقةَ: فأخبَرَني أخوايَ سُفيانُ ووَهبٌ ابنا قَيسِ بنِ أَبان، قالا: لمّا أسلَمَتْ ثَقيفٌ خَرَجْنا إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقال: (ما فَعَلتْ أُمُّكما؟)، قُلْنا: هَلَكتْ على الحالِ التي تَرَكتَها. قال: (لقد أسلَمَتْ أُمُّكما إذَنْ). وحسنه الداراني.
هكذا كانت رحلته صلى الله عليه وسلم، وفيها دروسٌ وعِبَرٌ، فلنتأمل.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X