عودة اللاجئين السوريين من تركيا : خطوات عملية واستعدادات ميدانية

أنقرة – قنا:
حظي ملف اللاجئين السوريين في تركيا وعودتهم إلى بلادهم باهتمام كبير في ظل التطورات الحالية، حيث تشهد الحدود التركية-السورية حركة مستمرة لتوافد اللاجئين السوريين عبر المعابر الحدودية الرئيسية الثلاثة: جيلفيجوزو (الذي يقابله معبر باب الهوى في سوريا)، ويايلاداغي (يقابله معبر كسب)، وزيتندالي (يقابله معبر الحمام/عفرين).
وفي السياق، أعلن علي يرلي كايا وزير الداخلية التركي مؤخرا عن عودة 52622 لاجئا سوريا إلى بلادهم منذ سقوط النظام السابق في الثامن من ديسمبر الماضي، مما يشير إلى تصاعد وتيرة الجهود المبذولة لمعالجة هذا الملف الحساس.
وقال يرلي كايا في مؤتمر صحفي عقده عند بوابة جيلفيجوزو الحدودية/معبر باب الهوى على الجانب السوري: “في السابق، عاد ما معدله 11 ألفا و63 سوريا إلى بلادهم شهريا، ضمن نطاق العودة الطوعية والمنتظمة خلال 11 شهرا (عام 2024)”.
وأضاف مع النظام الجديد في سوريا، بدأت عمليات العودة في التزايد بشكل كبير، حيث عاد 52 ألفا و622 سوريا إلى بلادهم، توزعوا على 9 آلاف و729 عائلة، بلغ عدد أفرادها 41 ألفا و437 مواطنا سوريا، في حين عاد 11 ألفا و185 سوريا، بحسب الموقع الرسمي لدائرة الهجرة.
وأوضح أن هناك مليونين و888 ألفا و876 سوريا في تركيا، مشيرا إلى أن العودة الطوعية مستمرة منذ عام 2017، وتتم من قبل مديرية إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية، لافتا إلى أن عدد الذين عادوا إلى سوريا منذ عام 2017 بلغ 792 ألفا و625 شخصا.
يأتي ذلك، في وقت باتت فيه العودة الطوعية للسوريين في تركيا مفتوحة أمام الجميع، مع توفير المزيد من التسهيلات والإجراءات التي تتزايد تسهيلا يوما بعد آخر.
وبحسب البيان الصادر عن إدارة الهجرة التركية في إسطنبول، تتاح العودة الطوعية للسوريين المقيمين في تركيا ممن يندرجون تحت بند الحماية المؤقتة، أو أولئك الذين يحملون إقامة قانونية في تركيا، مع توفير تسهيلات خاصة لنقل ممتلكاتهم ومركباتهم.
وقال البيان: “أما غير السوريين، فيقتصر دخولهم على المؤسسات الخدمية والإغاثية والإعلامية، شرط الحصول على موافقات مسبقة من الجهات الرسمية في تركيا”.
في هذه الأثناء، يتولى الأمن التركي الذي اتخذ إجراءات أمنية مكثفة عند المعابر، ضمان سلامة عمليات العبور للسوريين، كما تقدم منظمات إغاثية، بينها الهلال الأحمر التركي، المساعدة للعائدين من خلال توزيع الغذاء للعائلات السورية.
وفي سياق متصل، أصدرت وزارة التجارة التركية تعميما يتيح تقديم تسهيلات لنقل الممتلكات والمركبات السورية المسجلة، فيما أعلنت القنصلية السورية في إسطنبول عن بدء منح تذاكر عبور استثنائية للسوريين الذين لا يملكون جوازات سفر أو انتهت صلاحيتها.
كما تم إنشاء مكتب لإدارة الهجرة في السفارة التركية بدمشق والقنصلية في حلب، لتقديم الدعم الإداري واللوجستي للعائدين.
وحول الجهود التي تقوم بها الحكومة التركية لعودة اللاجئين السوريين، أكد مسعود حقي جاشين، عضو مجلس الأمن والسياسات الخارجية التابع لرئاسة الجمهورية التركية، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، أن الحكومة التركية تكثف جهودها لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد، مشددا على التزام تركيا بتقديم الدعم اللازم للسوريين لضمان عودة آمنة وطوعية للراغبين في العودة إلى ديارهم.
وأوضح أن السوريين بدؤوا بالتوجه من مختلف الولايات التركية إلى المعابر الحدودية تمهيدا للعودة إلى منازلهم، لافتا أن وزارة الداخلية وإدارة الهجرة التركية أعدتا ملفا قدم إلى الرئاسة التركية يتضمن خطوات تدريجية تهدف إلى فتح المجال أمام اللاجئين للعودة إلى وطنهم.
وأضاف أن هذا الملف يتجاوز التوقعات، حيث تسعى تركيا للتواصل مع الجهات الدولية، بما في ذلك المنظمات الأممية، لضمان توفير بيئة آمنة للسوريين العائدين، خاصة في مدينتي حلب ودمشق. لكنه أشار إلى أن الوضع في بعض المدن، مثل تلك القريبة من تواجد الأكراد في الشمال والمناطق الجنوبية المتاخمة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، ما زال يشكل تحديا أمنيا ولا يسمح بالعودة الآمنة للسكان في الوقت الحالي.
من جهته، صرح جلال دمير، المسؤول السابق في إدارة الهجرة التركية ومدير مخيم نيزيب للاجئين السوريين، لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، أن التسهيلات المرتقبة التي تقدمها الحكومة التركية لضمان عودة آمنة للاجئين السوريين من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة مطردة في أعداد العائدين عبر المعابر الحدودية في المرحلة المقبلة، مع تحسن الأوضاع الأمنية والعسكرية تدريجيا في سوريا.
وأشار دمير إلى أن حركة العبور الحالية تسير بسلاسة ودون مشاكل أو عقبات من الجانب التركي، مما يعكس التزام السلطات التركية بتبسيط الإجراءات، وأضاف أن هذه التسهيلات الحكومية ستسهم بشكل كبير في تسريع عمليات العودة، لا سيما مع تطلع اللاجئين إلى العودة إلى منازلهم واستعادة حياتهم الطبيعية.
بدوره، قال غزوان قرنفل، المحامي السوري المقيم في مرسين التركية، في تصريح مماثل لـ/قنا/: بطبيعة الحال يمكن القول إن ملف اللاجئين السوريين في تركيا دخل طورا جديدا مع سقوط النظام السابق.
وأشار إلى أن عشرات آلاف السوريين غادروا حتى الآن تركيا طوعا متجهين إلى حمص وحماة وحلب ودمشق والكثير من المناطق والبلدات الأخرى، وقد اصطحب بعضهم معه ممتلكاته المنقولة وبعضهم باعها هنا، ومعظم من قرر الرحيل في وقت لاحق ينتظر انتهاء الموسم الدراسي للمغادرة.
وأكد أن السلطات التركية أعطت تعليمات بفتح كل المعابر تقريبا ومضاعفة ساعات عملها لتمكين السوريين من المغادرة بيسر وسهولة، كما أتاحت رابطا لحجز موعد لتنظيم المغادرة دون ازدحام حرصا على تجنيب العوائل التكدس على المعابر في أجواء الشتاء الباردة، وبالتالي صار معلوما لكل مغادر موعد مغادرته مسبقا دون معوقات، كما نبهت إلى وجوب الحصول على إذن سفر من مديريات الهجرة من الولايات القادم منها المغادرون لضمان أدائهم التزاماتهم المالية، قبل المغادرة وضمان أن لا يكون ثمة موجبات قضائية بحقهم قبل المغادرة.. فإذن السفر في تلك الحالة يشبه إبراء ذمة للمغادر.
وتابع أن السلطات التركية أصدرت قرارا يتيح منح إذن سفر لسوريا والعودة لتركيا لمن يرغب بالمغادرة لاحقا ممن هم تحت الحماية ولثلاث سفرات كحد أقصى خلال ستة أشهر دون أن يفقد اللاجئ وضعه القانوني في سوريا نتيجة تلك المغادرات، وذلك لإتاحة الفرصة لهؤلاء لمعرفة مصير بيوتهم أو إصلاحها أو أراضيهم أو استلامها من شاغليها، وتجهيزها للعودة لاحقا إليها بعد إنهاء ترتيباتهم في تركيا سواء ما يتعلق بأعمالهم أو أنشطتهم التجارية أو مدارس أولادهم .. متوقعا مضاعفة الأرقام كثيرا للمغادرة إلى سوريا مع بدء فصل الصيف.
من جهته، أكد غازي مصرلي، مستشار وزير التجارة التركي في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن الأولوية لعودة السوريين الذي يملكون بيوتا أو الذين لم تتضرر بيوتهم جراء الحرب في سوريا خلال السنوات الماضية.
وأشار مصرلي إلى أن عددا كبيرا من العائلات السورية في تركيا بانتظار استقرار الأوضاع بسوريا، وأيضا انتهاء العام الدراسي، خاصة أن عددا كبيرا من أولادهم ما زالوا يدرسون في المدارس التركية.
بدوره، قال محمد سرميني رئيس مركز جسور للدارسات في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: إن سقوط النظام السابق في سوريا خلق أملا جديدا لمئات الآلاف من السوريين النازحين داخل سوريا ومثلهم في مختلف البلدان.
وأضاف أن السوريين ربما يحتاجون إلى المزيد من الوقت والمساعدة ليستطيعوا العودة إلى مدنهم وبلداتهم التي أخرجوا منها، لكن العودة أصبحت هدفا يعملون عليه وينتظرون تحقيقه بعد أن فقدوا الأمل بذلك.
وكانت تركيا قد استقبلت أكثر من 3.7 مليون سوري على أراضيها فروا من الحرب التي عصفت ببلدهم اعتبارا من 2011.
وخصص الاتحاد الأوروبي حوالي 10 مليارات يورو لدعم أكثر من 3 ملايين لاجئ موجودين على الأراضي التركية، غالبيتهم من السوريين، حسبما أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية.
وفي العام 2016، أبرمت أنقرة والاتحاد الأوروبي اتفاقا مثيرا للجدل بشأن الهجرة، تعهدت بموجبه السلطات التركية بمكافحة الهجرة غير الشرعية، مقابل مساعدات مالية من بين أمور أخرى، واشتكت تركيا مرارا من أن الأوروبيين لا يفون بتعهداتهم.