الأوضاع الإنسانية والإعمار وعودة الاستقرار.. تحديات ما بعد حرب غزة

الدوحة – قنا:
بعد معاناة إنسانية قاسية استمرت أكثر من 15 شهرا من عدوان الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، جدد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة من الدوحة في 15 يناير الجاري، الآمال بعودة الاستقرار والأمان لأهل قطاع غزة في محافظاتها كافة.
ولقد ذاق الفلسطينيون من القتل والتشريد والتدمير الممنهج ما لم يسبق له مثيل، والذي كان صادما للبشرية جمعاء، وسط عجز دولي عن لجم الاعتداءات الإسرائيلية، التي خلفت أكثر من 47 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 111 ألف جريح وفقا للتقرير الإحصائي الرسمي للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إلى أن نجحت أخيرا جهود الوساطة المشتركة التي قامت بها دولة قطر، بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة، في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار ينفذ على مراحل، ويؤذن بإطلاق عملية تبادل للأسرى والمعتقلين.
وينظر للاتفاق بأنه يشكل بداية لمرحة جديدة، وأن الفترة المقبلة ستكون حاسمة لجميع الأطراف المعنية للقيام بأدوارها، خاصة في الجوانب الإنسانية وإعادة الإعمار، في ظل الاحتياجات الإنسانية الهائلة بسبب هول العدوان واستطالة أمده.
وفور الإعلان عن التوصل للاتفاق، سارعت المنظمات الإغاثية الدولية إلى الإعلان أيضا عن استعدادها لتوسيع نطاق عملها لإيصال مساعداتها بالسرعة المطلوبة، وهو ما لم يكن في مقدورها قبل اتفاق وقف إطلاق النار، حيث أعلنت الأمم المتحدة عن تكثيف استعداداتها، بالتعاون مع شركائها، لتقديم المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ صباح /الأحد/ الماضي، وقال مهند هادي منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة: إن “كل ثانية لها أهميتها”، مضيفا أنه لا بد من ضرورة اغتنام هذه الفرصة لتلبية احتياجات سكان القطاع الذين عانوا طويلا من أزمات متفاقمة.
وثمن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية دور الوسطاء والأطراف المعنية على الثقة الممنوحة للأمم المتحدة وشركائها، لتسهيل تنفيذ البنود الإنسانية الواردة في الاتفاق، حيث أكد المسؤول الأممي أن تحقيق الأهداف الإنسانية يتطلب تعاونا شاملا بين جميع الأطراف، مشيرا إلى أن نجاح المشاريع الإنسانية يعتمد على التزام الجميع بالعمل المشترك، مجددا التزام الأمم المتحدة بدعم الانتقال إلى المرحلة الثانية من المساعدات، معتبرا أن هذه الجهود تمثل خطوة أساسية نحو تعزيز الحلول السلمية للنزاع، وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وبحسب الأمم المتحدة، فإنه من المتوقع أن تمتد الآثار المترتبة على عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني لمدة أطول، حيث قال ديفيد ميليباند رئيس لجنة الإنقاذ الدولية: “آثار هذه الحرب ستستمر لفترة طويلة، ولكن هناك حاجة ماسة لزيادة تدفق الإغاثة الفورية إلى المدنيين”، مضيفا أن المنظمة ستوسع “حجم وأثر عملها في قطاع غزة، حسبما تسمح الظروف”، لافتا إلى أن الوضع يتطلب تمويلا مرنا وتدفقا حرا للمساعدات والعاملين في مجال الإغاثة.
وفي سبيل تسهيل الاستجابة الإنسانية، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إطار إنفاذ مراحل الاتفاق، أنها ستعمل على تنفيذ “عملية دقيقة”، هدفها تسهيل تبادل الأسرى والمحتجزين بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، بالتزامن مع تكثيف الجهود الإنسانية في قطاع غزة. وقد بدأت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بعد أن دخل الاتفاق حيز التنفيذ، وأكدت اللجنة، في بيان لها، أنها ستعمل على تسهيل عملية إطلاق سراح المحتجزين في غزة والأسرى الفلسطينيين لدى الاحتلال الإسرائيلي، مع ضمان نقلهم بأمان، وشددت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أنها تركز على تكثيف جهود الاستجابة الإنسانية العاجلة لدعم المدنيين في القطاع، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها سكان القطاع.
وأضاف بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الهدف الأساسي هو “لم شمل الأسر وضمان وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى المدنيين في غزة”، في خطوة تعكس أهمية هذه العملية بالنسبة للوضع الإنساني المتدهور في القطاع.
ومن المنظمات الدولية التي استجابت للنداء الإنساني بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي أعلن عن سعيه لتوفير الغذاء لأكبر عدد ممكن من سكان قطاع غزة بعد إعادة فتح المعابر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وقال كارل سكاو نائب المدير التنفيذي للبرنامج: “نحاول الوصول إلى مليون شخص في أقرب وقت ممكن”، مشيرا إلى أن شاحنات المنظمة ومقرها في روما بدأت دخول القطاع.
وأضاف: “سنعمل على كل الجبهات لإعادة تموين المخابز وتوفير مكملات غذائية للأطفال الأكثر تضررا من سوء التغذية”، مشيرا إلى أن الاتفاق ينص على دخول 600 شاحنة يوميا، وأن الجزء الأول من هذه المساعدات سيكون إنسانيا بالتزامن مع فتح كل المعابر.
وبحسب بيان للبرنامج، قال المدير التنفيذي للبرنامج: “لقد خططنا لإرسال 150 شاحنة يوميا خلال 20 يوما على الأقل، ويمكننا أن نقدم المزيد”. ودخلت أولى شاحنات برنامج الأغذية العالمي إلى غزة، عبر معبر كرم أبو سالم جنوبي القطاع ومعبر زيكيم الواقع شماله، وأكد البرنامج أنه خزن قرب قطاع غزة ما يكفي من الغذاء لإطعام أكثر من مليون شخص لمدة ثلاثة أشهر.
وفي إطار تقديرات للواقع الصحي بالقطاع، قالت منظمة الصحة العالمية إن “التحديات الصحية هائلة”، وإن هناك حاجة إلى أكثر من 10 مليارات دولار لإعادة تأهيل النظام الصحي في غزة. وقالت إن “كل المستشفيات تقريبا تضررت أو دمرت جزئيا، و38 بالمئة فقط من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل”، وقدرت أن ربع المصابين أي حوالي 30 ألف جريح يعانون من إصابات تحتاج إلى عناية دائمة.
وأضافت المنظمة أن نحو 12 ألف شخص بحاجة إلى أن يتم إجلاؤهم فورا لتلقي العلاج خارج القطاع، مؤكدة اعتزامها زيادة مساعداتها إلى غزة فور الحصول على ضمانات الوصول الآمن إلى جميع السكان في القطاع.
وأوضحت أنه “من الضروري إزالة العقبات الأمنية التي تعوق العمليات”، والتأكيد على الحاجة إلى ظروف ميدانية تسمح بالوصول المنتظم لسكان غزة، وكذلك تدفق المساعدات عبر الحدود والطرق المعبدة كافة، وكذلك رفع القيود المفروضة على دخول المنتجات الأساسية إلى القطاع.
ولسد الحاجة الإنسانية العاجلة في القطاع المنكوب، سيرت قطر الخيرية قافلة مساعدات إنسانية عاجلة إلى قطاع غزة، لدعم الشعب الفلسطيني بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وقال السيد أحمد يوسف فخرو مساعد الرئيس التنفيذي لقطاع تنمية الموارد والاتصال في قطر الخيرية رئيس الوفد: إن هذه القافلة تعكس الالتزام بدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة، وباعتبارها جزءا من استجابة الجمعية العاجلة لتخفيف معاناتهم.
وكان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة قد أعلن عن الانتهاء من وضع خطة شاملة للتعامل مع اتفاق وقف إطلاق النار، تتضمن إجراءات ميدانية عاجلة لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيا في القطاع، وذكر بيان للمكتب أن الخطة تشمل تأمين المناطق المتضررة، وتقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين، عبر فرق حكومية متخصصة من الوزارات والمؤسسات الحكومية، لمتابعة تنفيذ هذه الخطة ميدانيا، بما يضمن سلامة المواطنين الفلسطينيين ومحاولة توفير الاحتياجات الأساسية لهم، وأكد جاهزية الوزارات والمؤسسات الحكومية للعمل في هذه الخطة.
ويرى مراقبون أن تحسن الواقع الإنساني في قطاع غزة يعتمد بشكل أساسي على نجاح الاتفاق، بعد الضمانات الكاملة التي قدمت له، وأن أفضل الضمانات لتنفيذه يعتمد على النوايا الصادقة، والتزام الأطراف به، علاوة على ذلك الضمانات المقدمة من قبل الضامنين والوسطاء، بالإضافة لاستمرار المفاوضات والإجراءات لإنفاذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وإجراءات تعزيز وتحصين الاتفاق حتى ينتقل قطاع غزة والشعب الفلسطيني المكلوم لمرحلة التعافي الكاملة.