لنتهيّأ في الحال لخوض المعارك القادمة

بقلم/ د. علي محمد فخرو:
ما تحقق في غزة هو انتصار في معركة وذلك بفضل صبر وبطولة وتضحيات شعبها الرائع الذي أبهر العالم وغيّر المعادلات. لكن كسب المعارك لا يعني بالضرورة كسب الحروب، فكيف إذا كانت تلك الحرب حربًا وجودية فيما بين غزاة قتلة مسنودين من قِبل استعماريين استئصاليين وبين شعب يدافع عن وطن وحقوق تاريخية قانونية إنسانية.
من هنا الأهمية الكبرى للانتقال في الحال إلى تهيئة الظروف الضرورية لكسب المزيد من معارك المستقبل. ولأن غالبية أنظمة الحكم في الدول العربية والإسلامية قد تخلت عن التزاماتها القومية والدينية والأخوية الإنسانية تجاه القضية الفلسطينية بالشكل المفجع المحيّر، فإن مسؤولية ذلك الانتقال قد أصبحت بداهة من مسؤوليات مؤسسات وأفراد المجتمعات المدنية في تلك الدول.
المطلوب هو بناء تكتل من تلك المؤسسات وأولئك الأفراد لإسناد النضال الفلسطيني الشعبي التحريري ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة وللمساهمة بشتى الطرق المعنوية والمادية في إنجاح كل أنواع النضال ضدّ الاستعمار من جهة أخرى. وهذا سيتطلب تحقق ما يلي:
أولًا: ما عاد مقبولًا، تحت أية ذرائع وأية مبررات، الاستمرار في غياب قيادة فلسطينية ديموقراطية واحدة تمثل جميع فصائل النضال الفلسطيني التاريخية، كما تضمّ ممثّلين منتخبين بحرية وشفافية من قبل الشعب الفلسطيني سواء الساكنين في فلسطين المحتلة أو المتواجدين في كل بلدان الشّتات، خصوصًا بعد أن أصبحت كل وسائل التواصل الإلكتروني الانتخابية متاحة.
وجود مثل تلك القيادة الواحدة، بالطريقة الديموقراطية الحقيقية المعبرة عن مشاعر وتطلعات الشعب الفلسطيني بصورة شفّافة لا تدخلات فيها، هو الذي سيرعب الاحتلال الإسرائيلي.
ثانيًا – هناك حاجة، وفي الحال، لإيجاد كتلة شعبية عربية وإسلامية لدعم المواجهة الفلسطينية القيادية والشعبية في خوضهما شتى المعارك المستقبلية ضد الاحتلال الإسرائيلي ومسانديه. ولا بدّ لهذا الدعم أن يكون بشتّى الأشكال والمستويات من مثل:
1- الدعوة لقيام صندوق مالي شعبي من خلال تبرعات المؤسسات والأفراد في البلدان العربية والإسلامية للمساهمة في مساعدة عشرات الألوف من اليتامى والأرامل والمعاقين والتلاميذ الفلسطينيين من أجل إخراجهم من حالات العوز والفقر والمرض والجهل وضياع الكرامة الإنسانية والتشرّد في ديار الغربة. كثير من هؤلاء المعانين سيكونون على استعداد أن يساهموا بشتّى الصور في معارك المستقبل النضالية أو السّلميّة.
2- تكوين جبهة شعبية للقيام بمسؤولية ومتابعة مقاطعة بضائع ونشاطات الشركات والمؤسسات الإسرائيلية التي تحاول التواجد في المجتمعات والأسواق العربية والإسلامية.
3- العمل على وضع ضغوط شعبية على الحكومات والبرلمانات وكل أنواع المؤسسات الرسمية لتقوم بالتزاماتها القومية والدينية والأخوية لمساعدة الشعب الفلسطيني أو أي شعب عربي آخر يتعرّض للاحتلال الإسرائيلي.
تلك كانت فقط أمثلة على ما يمكن أن تقوم به تلك الكتلة الشعبية في الحال استعدادًا لما يمكن أن يأتي به المستقبل. ذلك أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ستفتش عن أسباب واهية لتنقلب على الهدنة الحالية وتعود إلى ممارسة الإبادة.
نحن العرب، يجب أن نعرف أننا أمام أفعى وأمام عقرب لا يؤتمنان وأن كل ما يقولونه أو يفعلونه هو خليط من سموم يراد لها أن تكون مميتة. وعليه، لنبدأ الاستعداد في الحال بعد أن فرحنا وسعدنا ببطولات شعب غزّة الرائع وانتصاراته في معركة غزّة.