فيض الخاطر.. بيئة العمل والمُناخ المُضطرب

يشير علماء الإدارة إلى النتائج السلبية المترتبة على ما قد يعتري بيئة العمل من عدم الاستقرار في العلاقة بين الزملاء، وهم يشبهون ذلك بالسفينة التي ستغرق إن لم يتعاون البحارة على إنقاذها حينما تتعرض لأي خطر، حتى مع وجود القائد الماهر الذي لن تنقذ مهارته وحدها السفينة، ما لم يتعاون معه طاقم البحارة، الذين على سواعدهم يقع عبء تسييرها في الاتجاه السليم. كذلك الحال في الإدارة إذا برزت في أجوائها النزاعات الشخصية والأحقاد المترسبة في نفوس بعض الموظفين، حتى وإن قل عددهم، فهم يؤثرون على مَن حولهم بطريقة أو بأخرى، خاصة إن كان الهدف هو تحقيق مكاسب شخصية على حساب الآخرين، وقلة العدد أو كثرته من المسيئين في تصرفاتهم، فذلك يعني أن العمل لن ينجو من النتائج السلبية المترتبة على تلك التصرفات، مما يعني أهمية خلو بيئة العمل من المنغصات لضمان ليس استمراره فقط، بل وقدرته على التطور والازدهار، وفي ظل ظروف العمل الموبوءة بالخلافات، لن يحقق العاملون أي نجاح، حين تغيب الأهداف في أجواء تلك الخلافات، ويحل محلها هاجس الخصومة، والرغبة في تحقيق المكاسب الشخصية التي تلغي معايير الجودة، ليس ذلك فقط، بل هي تلغي المحافظة على مستوى الإنتاج كمًا وكيفًا.
وكما تؤثر التفاحة الفاسدة على بقية التفاح القريب منها، كذلك يؤثر الموظف الفاسد على مَن حوله من زملاء العمل، تمامًا كما هو حال السرطان إذا لم يُستأصل، فتأثيره على بقية أجزاء الجسد واردة، وهنا يأتي دور الإدارة الحاسمة التي لا تتجاهل الأمور، أو تحيلها إلى أناس قد يكونون ضالعين في تأزيم الموقف بين الخصوم، وهذه الحالة ينطبق عليها المثل العامي (كأنك يا بو زيد ما غزيت)، فما نفع أن يكون الخصم هو الحكم؟ وما نفع أن ترجح كفة الميزان لصالح طرف ظالم، على حساب طرف مظلوم؟
إن غياب قيم العدالة، يعني أن تحل محلها بوادر الظلم، التي تتجاوز كل القيم في سبيل تحقيق مصالح شخصية مدمرة للعلاقات الإنسانية بين زملاء العمل من جهة، ومدمرة أيضًا للعمل الذي سيصاب بالارتباك وعدم الاستقرار نتيجة ما انتابه من عوار بسبب رعونة وحماقة بعض العاملين من قصيري النظر حول مسؤوليات العمل والمحافظة على مخرجاته بصورة سليمة وقائمة على شروط النجاح المطلوبة في أي عمل، وكلما كبر هذا العمل على المستوى العام، يزداد حجم الخطورة المترتبة على غياب العدالة بين منتسبيه، لتحل محلها الأهواء والأحقاد الشخصية، عندما تصبح بعض الفئات لعبة بيد الشيطان، لتنحرف بالعمل من مساره الصحيح، إلى مسارات ملتوية تربك الإيقاع الطبيعي لأي عمل يُرجى منه الخير، وثالثة الأثافي أن تتسرب هذه الفئات إلى مؤسسات حيوية ذات علاقة بتطور المجتمع وازدهاره، وحينها لن تقدم تلك المؤسسات للمجتمع إلا كل ما هو هزيل وعاجز عن المشاركة في التنمية المستدامة.