كتاب الراية

كلمات … ليس رجلًا من.. !

«استوصوا بالنساء خيرًا» وصيةٌ لا تسقط بالتقادُم، ولا تفنى مع تعاقب الزمن، فهي وصيةٌ مُمتدةٌ بامتداد الإنسانيّة، ثابتةٌ كأعمدة العدل والرحمة، وهي وصية خير الأنام وسيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام في خطبة الوداع، قبل رحيله عن هذه الدنيا، لتبقى شاهدةً على قيم الرفق والإنصاف، هذه الوصية التي تحمل في ثناياها شريعةً ساميةً ترسي قواعد التعامل الإنساني بين الرجل والمرأة، وهي دعوةٌ صريحةٌ إلى حُسن معاملة الأنثى وصون حقوقها واحترامها. وصية أطلقها الرسول الكريم، صلوات الله عليه، لجنس الرجال دون تخصيصٍ، وقصد بها جميع النساء، ولم يُعيّنها فقط لذوات الأرحام، وإن اختلفت المسؤوليات، فقد أدرك، صلى الله عليه وسلم، بحكمته وفطنته ضعف المرأة وعجزها عن إعالة نفسها، والمقصود بالإعالة الرعاية المادية والمعنوية، ولعلمه، صلى الله عليه وسلم، أن ظلم المرأة وبالتالي حزنها لأمر، لم يرضه الله لها، فالمرأة خُلقت من ضلع الرجل، لا لتكون أدنى منه، بل ليسكن إليها وليجد في قربها الطُمَأنينة والراحة، كشجرة وارفة يتفيأ تحت ظلالها وينتعش بعبيرها كلما لفحته قساوة الصيف، وجعل الله من قلبها صندوقًا مُركبًا متشابك الإحساس، لتكون رحلة البحث عن مِفتاحه محيرةً، ومليئةً بالتحديات، لا يصل إليها سوى من عزم على الفوز بجنتها ونعيمها، وإنه ليجد المتعة في ذلك، فالشعور الذي يجلبه هذا الاحتواء لطفولة الأنثى، هو الشِريان الذي يغذّي رجولته، ويروي ثقته بنفسه، إذًا من المسؤول عن بقاء الفرع مع الجذع ؟!

فليس رجلًا بحق من حرم أنثى ما تحب وهو قادرٌ عليه. ليس رجلًا من جحد امرأةً في ميراثها. ليس رجلًا من صفعها ورفع يده عليها. ليس رجلًا من أنفق على بيته وأولاده ونسي أن ينفقَ عليها. ليس رجلًا من تجاهلها وعزل نفسه وأفكاره وكأنها ظل لا صوت له، ليس رجلًا من رآها في ضيق ولم يبسط يده ليفرّج كربتها، ومن لم يتفقد أحوالها. ليس رجلًا من رأى كسر خاطرها ولم يسعَ لجبره. ليس رجلًا من شعر بالمرض يزهر في جسدها وهي تبتلع وجعها، حتى لا تقصّر في رعايته ورعاية بيتها ولم يأخذها بنفسه إلى الطبيب. ليس رجلًا من أُهينت أمه أو أخته أو زوجته ولم يهتز شاربه. ليس رجلًا من أذلّ طليقته أو أم أولاده، ومن منعها أولادها كيدًا بها. ليس رجلًا من أثقل كاهلها وضغط عليها بسطوة نفوذه، أو من حاربها في رزقها أو حرمها حلالًا كانت تنعم به. ليس رجلًا من عاش رَدَحًا من الزمن بجانبها ثم أدار ظهره لها عندما استغنى عنها، أو من عيّشها حُلمًا ثم نكث به. ليس رجلًا من شوّه سمعةَ امرأة كانت في يوم ما شريكةَ حياته، ليس رجلًا من أشعرها بأنها تقوم بواجباتها كالخادمة دون امتنانٍ، بينما هي تتفضل بعطائها من روحها وجهدها ومالها بحبٍ وحنانٍ. ليس رجلًا من يهجرها لأيامٍ وأسابيعَ دون وجه حقٍ. ليس رجلًا من جرح فؤادها بكلمة تحطّ من كرامتها وتُقلل من شأنها. ليس رجلًا من أكرهها على ما لا تحب. ليس رجلًا من استصغر قدراتها ومساهمتها في المجتمع، أو أشعرها بأنها لا شيء، وهي في الحقيقة كل شيء. ليس رجلًا من عاملها معاملة الخَصْم – بينما هي الشريك والصديق والحبيب – فكيف بالله لمن كان بطبيعته أضعف منك أن يكون ندًا لك؟! وكيف بالله تطلق زئير جحافلك أمام كِيانٍ هشٍ كأوراق الورد؟!

سأترك لك عزيزي القارئ كلماتي كهمسةٍ قد تُنبّه غافلًا، أو جرسًا يوقظ ذاكرةَ النسيان.

دمتم بود.

[email protected]

@shaika_2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X