جريمة عرقية

بقلم/ سامي كمال الدين:
في الوقت الذي تتوقف فيه رحى الحرب في غزة، تعلن الإدارة السورية من قصر الشعب تنصيب أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية السورية ووضع خريطة طريق لإدارة البلاد.. آن لبلاد الشام أن تستريح من أنات المعذبين والمتعبين.. بلاد الشام المستباحة من عدو خارجي وعدو داخلي تتهيأ الآن لتحقيق وحدتها وسيادتها واستقرارها.
تبادل الأسرى أو الرهائن الإسرائيليين وخروج المئات من الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وعودة أهل غزة إلى شمال غزة عبر محور نتساريم ثم إعادة إعمار غزة في المراحل المقبلة لينهي 15 شهرًا من قتل آلاف الأطفال والنساء، الآن يحق لهذا الشعب الفلسطيني أن يستقر قليلًا.. أن يهدأ قليلًا.
في نفس التوقيت تسعى سوريا لإقامة دولة عادلة بعد أكثر من 60 عامًا من حكم آل الأسد الديكتاتوري الاستبدادي، ويبدو أن السيد الشرع استوعب درس ما بعد الربيع العربي في الدول التي حدث فيها جيدًا بقوله نريد الانتقال من منطق الثورة إلى منطق بناء الدولة.
من الطبيعي أن الثورات تأتي لتزيل الظلم وتقيم العدل، لتهدم الحكم العشائري وتبني دولة تسن فيها القوانين والدساتير، جاء هذا بعد اجتماع عدد من الفصائل السورية والعسكرية بقصر الشعب وألغي العمل بدستور 2012 وتم حل حزب البعث العربي الاشتراكي ومجلس الشعب والجيش وكل الأجهزة الأمنية والميليشيات التابعة لنظام بشار الأسد.
كما تم تفويض رئيس الجمهورية لتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية إلى حين إقرار دستور دائم.
يقفز الشرع بذلك فوق مخطط الدولة العميقة للتلاعب بالدولة وإفساد التجربة الحديثة في سوريا الجديدة، ولعل من الأعمال الناجعة لتخطي كل العقبات قيام دولة مدنية ودستور وقوانين تطبق على الجميع، في نفس الوقت الذي يحتاج سكان المخيمات في سوريا والنازحون إلى العودة إلى بيوتهم ومزارعهم وحياتهم الطبيعية وتوفير الماء والكهرباء لهم، وأن يعود اللاجئون من المنافي ليشاركوا في بناء أوطانهم.
يحتاج الشعب السوري أن يتأمل كيف سقط النظام السوري دون أن تسيل الدماء بعد سقوطه، ويدرك أن الفرصة واتته لبناء دولة تصلح للجميع، والوحدة السورية التي تشمل كل الأراضي السورية، ولعل الاجتماعات بين «قسد» والأكراد للتوافق مع دمشق تؤكد اتجاه الدولة السورية إلى تحقيق الاستقرار، فأنت بعد التحرير تحتاج إلى البناء.
بالتوازي تمضي صفقة تبادل الرهائن أو الأسرى في طريقها السليم بإشراف دولي ومتابعة من قطر ومصر والولايات المتحدة، ويتبقى علاج مصابي الحرب بتوفير شتى وسائل العلاج لهم في الداخل أو الخارج وذلك من خلال إشراف الدول المراقبة على هذا الأمر، ثم يتم المضي في إعادة الإعمار لتحول دون صفقة القرن ودون تهجير الفلسطينيين من وطنهم، الذي ردت عليه مصر بشكل واضح بعدم الموافقة على تصفية القضية الفلسطينية وعدم الموافقة على استقبال الفلسطينيين، رغم تعنت ترامب وتحديه الواضح وحديثه لثلاث مرات حتى الآن بأن مصر والأردن ستوافقان على التهجير!
الديوان الأردني أيضًا قال إن لديه أكثر من 2.5 مليون فلسطيني ولا يتحمل المزيد، المدهش أن إعمار غزة تم قبل ذلك وبقي أهل غزة في بلادهم فلماذا هذا التعنت والإصرار الأمريكي على إخراج أهل القطاع؟!
لم يستطع نتنياهو بالحرب والقتل والدمار تصفية غزة من أهلها، لذا يلجأ لحل التهجير من خلال الولايات المتحدة الأمريكية، وربما لا يدرك هؤلاء وأولئك أن أهل البلاد لم يتركوا وطنهم تحت القتل والتفجير وهدم بيوتهم والطائرات المسيرة فهل يتركونه لأن ترامب يرغب في ذلك عبر تصريح هنا أو هناك؟.. إنها جريمة عرقية.. هذا هو التطهير العرقي عينه الذي تريد حامية الديمقراطية في العالم تطبيقه على الشعب الفلسطيني.
إعلامي مصري