فيض الخاطر.. هل أنت مغفل أم مستغفَل ؟

تمرُّ عليك أحيانًا بعض المواقف التي لا تشغل بالك في حينها، لكنك عندما تعود إليها لاحقًا تكتشف أنك كنت مُستغفَلًا من أناسٍ لا ضمير لهم، يستغلون طيبتك وحُسن ظنك بهم، ليوجّهوا طعناتِهم لك من الخلف، ويدسّون السم في العسل لك اعتمادًا على ظنهم بأنك مُغفل، لكنك عندما تسترجع مواقفهم، وتنظر إليها برويةٍ وتفكر فيها بعمق، ستتكشف لك حقائق مُذهلة هي أنك لا تتعامل مع أناس أسوياء، بل مع أناس حاقدين لأقصى مدى، لأنهم قادمون من بيئةٍ فاسدةٍ، تتفشى فيها المؤامرات والعنف والتسلّط على الرقاب، ولأنهم عانوا من فساد تلك البيئة التي احتضنتهم صغارًا وتشربوا بسلوكياتها المشوهة، فقد حملوا معهم كل تلك العقد ليفرغوها في بيئتك النظيفة من تلك العيوب، بعد أن تدمرت قلوبهم ونفوسهم، وأبوا إلا أن يجرّعوك من الكأس التي جُرِّعوا منها حتى الثمالة، حقدًا وتآمرًا وضغينةً. تصفعك بمرارتها وقسوتها لأنك لم تتعوّد عليها في مُجتمعك الآمن المُستقر المُتآلف. دون أن تنسى:
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطب
وهنا تسأل نفسك، هل أنت مغفل عندما لم تدرك في حينها حجم المؤامرة التي تُحاك ضدك في الخفاء، وتعود إلى نفسك لتعرف أنك لست مغفلًا، لسبب واحد هو أنك تفترض حُسن النية في الآخرين حتى يثبت لك العكس، وأنت هنا تتعامل معهم بما تعودت عليه من أخلاق تأبى الظن السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله، أنت لست مغفلًا، بل أنت مُحاط بسياج من الأخلاق الفاضلة، التي تضطر أحيانًا لاختراقها لكي ترد الصاع صاعين لمن لا يفهمون لغة الحوار المنطقي والعادل، بعد أن تسربلوا في ثياب الغدر والخيانة والتآمر في الخفاء، وهم أجبن من أن يكونوا صرحاء معك، لأنهم على يقين بأنك على حق، وأن حُجتك ستدمغ ادعاءاتهم، وأن حقيقة موقفك ستكشف حجم أكاذيبهم وتآمرهم عليك. وهم الأغبياء في هذه الحالة ولست أنت.
دعك مما يُقال عن التغافل، فبعض المواقف لا ينفع معها سوى التعامل بالأسلوب نفسه، ولكن بذكاء يفوّت عليهم فرص النَّيْل منك، وأنت تحمد الله كثيرًا، على أن أزال الغشاوة عن عينيك لتعرفَ أن من تظنهم أصدقاء هم في الحقيقة وحوش يقدّمون أنفسهم لك بأنهم حريصون على مصلحتك، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك، والدليل أن ما يقولونه في وادٍ، وما يفعلونه في وادٍ آخر. ستغضب عليهم، ولكن غضبك على من مكنهم من الإساءة إليك سيكون أكبر، فأنت في النهاية إنسان، يفرحك ما يفرح الآخرين، ويغضبك ما يغضبهم.
يفرحون بانتصارهم الوهمي إذا أصابت سهامهم منك جانبًا، في وظيفتك، وفي مركزك الاجتماعي، وفي عَلاقتك بزملاء العمل، وفي عَلاقتك بالآخرين، وينسون أن (من سرّه زمن.. ساءته أزمان).
والله غالب على أمره.