الصديق اللدود الودود/‏ المهندس أبو راشد، حيث إنه لدود بمناقشاته الفكرية الحادة معي لكنه ودود بتعاملاته الاجتماعية بمجلسه العامر، قد فرغ مؤخرًا من قراءة كتيب دسم -على حد قوله – بالإنجليزية يتحدث عن اقتصاد الدعة (Economy of Ease) وبعد حوار مستفيض معه لمسبباته وتداعياته، ارتأيت نشر المخرجات الرئيسة للكتيب باقتضاب، لأنها صدى لظروفنا الاقتصادية الخليجية المعاصرة، وذلك تعميمًا للفائدة.

في الواقع، بمفهومه العام اقتصاد الدعة يتميز بارتفاع مستوى الرفاهية والراحة وقلة الضغوط المعيشية الصعبة، حيث يكون الاعتماد الكبير للدولة على الدخل الريعي المتأتي من تصدير سلعة استراتيجية محددة كالنفط (الزيت الخام والغاز)، أو الثروات الطبيعية الأخرى ذات الوفرة الكبيرة سواء من المعادن والفلزات أو الناتج الزراعي والحيواني الضخم نتيجة ثراء البيئة الطبيعية، أو السياسات المحلية المتبعة التي تحفز على الاستهلاك أكثر من الإنتاج، ناهيك عن توافر الدعم الحكومي للسلع والمنتجات والأفراد بشكل مستمر، ودون الحاجة إلى بذل جهود كبيرة في الإنتاج والخلق والإبداع والابتكار. هذا النمط الاقتصادي في الغالب يكون مدعومًا ومدفوعًا بعوامل خارجية غير مستقرة، ما يعرّضه لدرجة انكشاف خارجي عالية، مثال ذلك، ريع صادرات النفط فهو معرض لانكشافه للخارج من حيث تأرجح أسعار النفط العالمية، والتركيز الجغرافي والسلعي للصادرات، والاكتشافات التكنولوجية الجديدة المتسارعة التي تؤثر مباشرة على حجم الطلب النفطي كمًا ونوعًا. ترى ما تأثير اقتصاد الدعة على المتغيرات الاقتصادية الأساسية من (استهلاك وادخار واستثمار وتضخم)؟ عزيزي القارئ بلا شك سنجيب تفصيلًا على هذا السؤال المهم في لقاء قادم إن شاء الله، إنما هنا – كما أسلفت – فقط بإيجاز نستوعب خلاصة ذلك الكتيب الاقتصادي الماتع.

خلاصته واستنتاجاته تتمثل في أن اقتصاد الدعة يحقق رفاهية مؤقتة ونموًا اقتصاديًا لكنه غير مستدام. لأنه يؤدي إلى ضعف الإنتاجية وانخفاض الميل إلى الادخار والاستثمار، ما يزيد من المخاطر الاقتصادية كالتضخم وارتفاع الأسعار وضعف النمو الاقتصادي مستقبلًا. ولعلاج هذه الإشكالية فلا بد من تنويع الاقتصاد، وتحفيز الإبداع والابتكار، وتشجيع الادخار والاستثمار لأجل تحقيق تنمية مستدامة ذات قدرة على الاستمرارية في النمو، وتلبي احتياجات أجيال الحاضر بدون الإضرار باحتياجات أجيال المستقبل. وعليه، قد يسأل أحد المهتمين والقلقين بتطورات اقتصاد المستقبل وتبعياته، هل يا تُرى بعد أن نجحت قطر بامتياز في تشييد حاضرة مدنية متطورة في جهاتها الأربع بأنجح المعايير العالمية، كما وحققت تطورًا مذهلًا – بوقت قياسي نسبيًا – في البشر قبل الحجر وبأعلى المقاييس المتبعة في التعليم والصحة والخدمات والبنية التحتية، بل وحتى في مراكز الترفيه والسياحة التي أثمرت انتعاشًا للصحة النفسية والبدنية للمواطنين والمقيمين والزائرين على السواء. ثم دبلوماسيًا فالقاصي والداني يتحدث عن إنجازات قطر ومبادراتها الإنسانية والسياسية. أما على الصعيد الاقتصادي التنموي، فبعد أن قامت الدولة بحكمتها ونظرتها الاقتصادية الصائبة، بتكوين أجهزة الاستثمار المتميزة المتعددة ذات النشاطات المثمرة سياسيًا واقتصاديًا، بالداخل والخارج، ترى هل ستتوج الدولة مشاريعها التنموية طويلة الأجل على ضوء تنفيذها لرؤية قطر الوطنية نحو 2030، وتنشئ صندوقًا وطنيًا استراتيجيًا بمسمى مستقل وهو»الصندوق القطري لاحتياطي الأجيال القادمة»، ويكون مرادفًا لجهاز قطر للاستثمار (QIA) وبإدارة مستقلة متخصصة متفرغة له؟.

خبير اقتصادي

[email protected]