الدوحة – نشأت أمين:

شهد سوق المزارعين المقام على هامش النسخة الثانية عشرة من معرض قطر الزراعي الدولي بالحي الثقافي كتارا حاليًا تجربة رائدة تتمثل في قيام إحدى المزارع القطرية العارضة بسوق المزارعين المخصص للمزارع المحلية ببيع أكياس معبأة بالطحين القطري 100% حيث نجح صاحب المزرعة بعد فترة من التجارب في زراعة القمح داخل مزرعته، وبعد أن نجحت التجربة قام بدفع محصول القمح الذي حصده إلى أحد المطاحن وتحويله إلى طحين حيث يقوم ببيعه حاليًا داخل أكياس معبأة بسوق المزارعين بالحي الثقافي كتارا. الراية التقت داخل سوق المزارعين بالسيد محمد أحمد الجفيري صاحب مزرعة البراري للتعرف على تجربته الرائدة هذه لعلها تكون ملهمة للكثير من أصحاب المزارع في قطر لتكرار التجربة والتوسع في زراعة هذا المحصول الاستراتيجي.

يقول السيد محمد أحمد الجفيري صاحب التجربة لـ الراية: قبل سنوات، لم يكن أحد يتخيل أن تكون زراعة القمح في قطر، وسط مناخها الصحراوي القاسي، هذا ممكنة. فالأرض الجافة والحرارة المرتفعة، وشُح المياه كلها عوامل تجعل من زراعة هذا المحصول الأساسي تحديًا كبيرًا. لكننا في مزرعة «البراري» قررنا خوض هذا التحدي، متسلحين بالإرادة، والعلم، والتصميم على تحقيق الاكتفاء الذاتي لبلادنا في إنتاج القمح.

ويضيف: بدأت الفكرة قبل سنوات، عندما كنت في زيارة إلى إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية الشقيقة، حيث التقيت بالصديق عمار عبدالله الحمادي هناك ووسط حديثنا عن الزراعة والاعتماد على الذات، أهداني أغلى هدية وهي عبارة عن كيس من بذور القمح وقال لي: «حاول أن تبدأ ببطء، وفي كل عام اجمع البذور وقُم بزراعتها في مناطق مختلفة، لمساعدة قطر على الازدهار»… تلك الكلمات زرعت في داخلي بذرة أمل قبل أن تُزرع البذور في الأرض. عدت إلى الدوحة حاملًا تلك الحبوب، لكنها لم تكن مجرد بذور، بل كانت تحديًا، ومسؤولية، وحلمًا نطمح جميعًا في قطر إلى تحقيقه.

التجربة الأولى

في العام الماضي، بدأنا أول تجربة لنا بزراعة 800 متر مربع من حبوب القمح، وكانت النتيجة حصاد 160 كيلو جرامًا من القمح .. كانت تجربة مليئة بالتحديات، لكن نجاحها منحنا دفعة قوية لمواصلة الطريق، وتوسيع نطاق الزراعة لتحقيق إنتاج أكبر.

لحظة الحسم

عندما حان وقت الحصاد، قمنا بجمع سنابل القمح الذهبية على هيئة أكوام وتخزينها في بيت محمي مخصص لها لمدة 15 يومًا. بعد انتهاء فترة التخزين، تواصلنا مع وزارة البلدية لإرسال آلة التراس التي تقوم بفصل حبوب القمح عن السنابل. ثم قمنا بتعبئة الحبوب داخل أكياس إلى حين طحنها.

وبالفعل بعد الحصاد، أرسلنا القمح إلى أحد المطاحن المحلية لتحويله إلى دقيق، حيث قمنا بطحنه إلى نوعين دقيق رقم واحد ودقيق رقم 2، ليكون جاهزًا للاستخدام سواء في الخبز أو غيره من المخبوزات الأخرى. لم يكن هذا مجرد إنتاج للدقيق، بل كان خطوة نحو تحقيق الحلم الأكبر.. أن نصبح أكثر اعتمادًا على أنفسنا في إنتاج غذائنا الأساسي.

مضاعفة الإنتاج

وأضاف: في الموسم الحالي ضاعفنا جهودنا بزراعة بذور القمح على مساحة 1,600 متر مربع، أي ضعف المساحة التي زرعناها العام الماضي حيث بدأنا الزراعة في شهر نوفمبر، وقمنا أولًا بتسوية الأرض وتمديد شبكة المياه، ثم بذرنا البذور وقمنا بتغطيتها لمدة 20 يومًا لحمايتها من الطيور وبعد أن بدأت البذور في الإنبات، قمنا برفع الغطاء عنها، وواصلنا الري المنتظم لمدة ثلاثة أشهر.

عندما وصل القمح إلى مرحلة النضج، توقفنا عن الري تمامًا وبدأنا عملية «تعطيش القمح» لمدة شهر كامل، وهي مرحلة ضرورية لتجفيف السنابل وجعلها جاهزة للحصاد ومن المتوقع أن يكون إنتاجنا هذا العام بين 350 إلى 400 كيلو جرام من القمح، وهو ضعف إنتاج العام الماضي تقريبًا. هذه القفزة الإنتاجية دليل واضح على أن التجربة تسير في الاتجاه الصحيح، وأن قطر قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي أو الاقتراب منه في مجال إنتاج القمح، خطوة بعد خطوة.

رسالة قوية

وقال: زراعة القمح ليست مجرد مشروع زراعي، بل هي رسالة قوية للعالم بأن قطر قادرة على تحقيق المستحيل.. صحيح أن زراعة القمح تستهلك كميات كبيرة من المياه وتتطلب مساحات واسعة، ولكننا أثبتنا أنه بالعزيمة والبحث العلمي يمكن أن نتغلب على أي عقبة ومع ذلك فإن هذا الإنجاز ليس لنا وحدنا، بل هو لقطر ولجميع مزارعيها. وسنستمر حتى تصبح زراعة القمح جزءًا من مستقبلنا الزراعي. ويؤكد: نحن في قطر نؤمن بأن الأمن الغذائي هو أحد أعمدة الاستقلال الحقيقي، ولهذا نسعى إلى تطوير تقنيات زراعية حديثة تمكننا من زراعة المزيد من المحاصيل في بيئتنا الصحراوية. مشروع زراعة القمح لم يكن إلا البداية، ونتطلع إلى توسيع نطاق هذه التجربة لتشمل أنواعًا أخرى من الحبوب والغلال، مما يجعل قطر أكثر اعتمادًا على إنتاجها المحلي.

عرض التجربة

وعما إذا كان قد تواصل مع أي من الجهات الحكومية لعرض تجربته قال: لم نتواصل حتى الآن مع أي من الجهات الحكومية، ولكننا نخطط لذلك قريبًا لنريهم أن تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح ممكن إذا حصل على الدعم والتوجيه المناسبين.

وتابع بالقول: آمل أن نتمكن من توسيع إنتاج القمح وزراعة الحبوب الأخرى والعثور على أراضٍ جديدة يمكننا زراعتها وحصد المزيد من المحاصيل. ولكن نظرًا للتكلفة العالية لهذه العملية، أتمنى أن نحصل على الدعم والإرشاد المناسبين من الجهات المعنية لتحقيق إنتاج زراعي مستدام يلبي احتياجات قطر.