المكاسبُ التي حققتها النسخةُ الثانية عشرة من معرض قطر الزراعي الدولي، لا تقتصر على القطاع الزراعي فقط، بل تمتدّ لتشملَ قطاع السياحة، إذ يعكس نجاح المعرض تفوّق قطر في سياحة المؤتمرات والفعاليات، التي أصبحت اليوم إحدى الركائز المهمة لدعم الاقتصاد الوطني، فالسياحة لم تعد تقتصر على التجارِب الترفيهية والشواطئ والفنادق الفاخرة، بل أصبحت أداةً اقتصاديةً مؤثرةً تقوم على استضافة الفعاليات العالمية وجذب المُستثمرين والخبراء، ما يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل.
ولا شك أن المعارض والمؤتمرات الدوليّة الكُبرى التي تستضيفها الدوحة تخلق نشاطًا اقتصاديًا يمتدّ إلى قطاعاتٍ متعددةٍ، من الضيافة إلى النقل والخِدمات اللوجستية، الأمر الذي يُعزّز من مكانة قطر كمركز إقليمي لسياحة الأعمال والفعاليات المتخصصة، ويجعلها وجهةً جاذبةً للمعارض والمؤتمرات العالمية، ما ينعكس إيجابًا على رفدِ قطاع السياحة المحلية، ودعم الاقتصاد الوطني للدولة، بما تمتلكه دولة قطر من بنيةٍ تحتيَّةٍ ذات مُستوى عالمي، فقد استثمرت في تطوير مجموعةٍ فريدةٍ من مرافق الفعاليات الحديثة.
أهمية معرض قطر الزراعي الدولي تتجاوز كونه مجرّد معرض لعرض التقنيات الزراعية الحديثة، فهو في جوهره استثمار استراتيجي يعكس رؤية الدولة لمستقبل أكثر اكتفاءً واستدامةً، حين تجتمع حوالي 30 دولة من مختلِف القارات لمناقشة سبل تطوير الزراعة في بيئة قاسية مناخيًا مثل منطقتنا، فهذا دليل واضح على أن قطر ليست مجرد مستهلكةٍ للحلول، بل مساهمة فاعلة في صناعتها وتطويرها، الأمر الذي يُعزز مكانتها كمختبر حقيقي لحلولٍ زراعيةٍ وبيئيةٍ مبتكرةٍ يمكن أن تمتد فائدتها إلى أبعد من حدودها الجغرافية.
في ظل التحديات البيئية والاضطرابات الاقتصادية العالمية، لا يمكن لأي دولةٍ أن تُحققَ أمنها واستقلالها الحقيقي دون أمن غذائي مستدام. ودولة قطر، رغم تحديات مُناخها الصحراوي، قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المجال عبر تبني استراتيجياتٍ تدعم الإنتاج المحلي وتقلل من الاعتماد على الواردات، فالمعرض الزراعي ليس مجرّد مساحةٍ لعرض المُعَدَّات الزراعية، بل هو تأكيد على التزام الدولة بإيجاد حلولٍ تجعلها أكثر قدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل الأزمات العالمية المتكررة، سواء كانت جائحة أو نزاعات جيوسياسية أو تقلبات اقتصادية تهدد سلاسل الإمداد الغذائية.
نجاح النسخة الثانية عشرة من معرض قطر الزراعي الدولي، ليس مجرد لحظةٍ احتفاليةٍ تنتهي بانتهاء أيامه، بل هو محطة وخُطوة محورية يجب أن تقودَ إلى خطواتٍ عمليةٍ تعزّز ما تحقق، سواء عبر تعزيز الشراكات مع الدول والشركات الرائدة، أو الاستثمار في الشركات الناشئة القادرة على إحداث فرقٍ في هذا القطاع، أو إطلاق مبادراتٍ وطنيةٍ تدعم الاستدامة الزراعية، كما نجحت قطر في أن تكونَ نموذجًا عالميًا في استضافة الفعاليات الكبرى، عليها أن تستثمرَ هذا الزخْم في ترسيخ نفسها كدولةٍ رائدةٍ في الاستدامة الزراعية والأمن الغذائي، ليس فقط لأجل اقتصادها، بل لأجل مُستقبلها ومُستقبل أجيالها القادمة.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر