حيث يلتقي الماضي بالحاضر، وتُعاد صياغة هُوية الثقافة العربيّة
شهدت دولة قطر، يوم أمس، اليوم الرياضي الوطني، وهو جزءٌ من رؤية الدولة لتعزيز صحة ورفاهية المُجتمع، لكن النهضة التي تعيشها البلاد اليوم تتجاوز الرياضة والجسد لتشملَ الروح والثقافة أيضًا، حيث تثبت قطر يومًا بعد يومٍ أنها ليست مجرّد مركز اقتصادي أو سياسي، بل القلب النابض للثقافة العربية في العصر الحديث.
لقد نجحت دولة قطر في إعادة تعريف مفهوم الهُوية الثقافية، فلم تكتفِ بالحفاظ على تراثها بل جعلت منه أساسًا لحوار عالمي يجمع بين القديم والحديث، بين الجذور العميقة والرؤى المستقبلية. متاحفها، وفعالياتها، ومؤسساتها الثقافية أصبحت اليوم مِنصاتٍ تُبرز قوة الثقافة العربية، ليس كماضٍ محفوظٍ في كتب التاريخ، بل كواقع حي يؤثر في الحاضر ويصنع المُستقبل.
متحف قطر الوطني، على سبيل المثال، الذي لطالما حرصت على زيارته من وقت لآخر، لما فيه، ليس من عبق الماضي فحسب، بل لما فيه من المعارض الثمينة والمتجددة، ليس مجرّد مبنى يحفظ المقتنيات التاريخية، بل هو شهادة على قدرة الثقافة على أن تكونَ ديناميكيةً ومتجددةً. تصميمه المستوحى من وردة الصحراء يحمل في طياته فلسفةً كاملةً: كيف يمكن للتقاليد أن تتطورَ دون أن تفقدَ جوهرها، وكيف يمكن للهُوية أن تكونَ منفتحةً على العالم دون أن تذوبَ فيه.
المشهد الفني والأدبي في الدوحة يشهد طفرةً نوعيةً. في «متحف: المتحف العربي للفن الحديث»، يجد الفنانون العرب مِنصةً تعرض أعمالهم للعالم، وفي المبادرات الأدبية والشعرية تتجلّى روح الإرث الثقافي الذي لا يزال ينبض بالحياة. ولعلّ الاهتمام المتزايد بإحياء الفنون التقليدية، مثل الشعر النبطي والخط العربي، هو أحد مظاهر هذه النهضة المتكاملة التي لا تنظر إلى الثقافة كترفٍ، بل كضرورةٍ أساسيةٍ تعزز الهُوية الوطنية وتعزّز الحوار مع الثقافات الأخرى.
ولا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الفعاليات العالمية التي تستضيفها قطر، من الأعوام الثقافية التي تربطها بثقافات أخرى، إلى معارض الكتب والمِهرجانات الفنية التي تجمع أبرز المُفكّرين والمُبدعين من العالم العربي وخارجه. هذه الفعاليات ليست مجرد احتفاءٍ بالثقافة، بل هي تأكيد على أن قطر اليوم ليست متلقيةً للثقافة فحسب، بل صانعة لها، تُعيد تعريف المشهد الثقافي العربي وتُرسّخ مكانته على الخريطة العالمية.
الرأي الأخير: ما يحدث في قطر اليوم ليس مجرّد نهضةٍ ثقافيةٍ تقليديةٍ، بل تحوّل استراتيجي يضع الثقافة في قلب التنمية الوطنية. فمن يدرك أهمية الثقافة يدرك أن الأمم لا تُبنى بالاقتصاد فقط، بل تحتاج إلى هُويةٍ واضحةٍ، وإلى إرثٍ يمدّها بالجذور، وإلى رؤيةٍ تجعل هذا الإرث منارةً للمُستقبل. وهذا بالضبط ما تفعله قطر اليوم، حيث تُعيد للثقافة العربية وهجها، وتؤكد للعالم أن الدوحة ليست فقط مركزًا ثقافيًا، بل العاصمة الثقافية الحقيقيّة للمنطقة.
(الثقافة روح الأمة، إن ضعفت ضاعت، وإن ازدهرت سادت)
إلى اللقاء في رأي آخر.
كاتب شؤون دولية وقانوني قطري
Twitter:@NawafAlThani