الدوحة – قنا:
يعقد مؤتمر ميونيخ للأمن دورته الحادية والستين غدا، بمشاركة حوالي 60 رئيس دولة وحكومة، و150 وزيرا، وعدد من كبار مسؤولي المنظمات الدولية الكبرى وخبراء الأمن من جميع أنحاء العالم، ويعد المؤتمر أحد أبرز المنتديات العالمية لمناقشة القضايا الأمنية الدولية، ويأتي هذا العام وسط تحديات كبرى، من بينها مستقبل النظام العالمي، وتصاعد الاتجاه نحو عالم متعدد الأقطاب، والأزمات الدولية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا والنزاع في الشرق الأوسط.
ويستمر المؤتمر ثلاثة أيام، ويبدأ بخطاب الافتتاح الذي سيلقيه الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، كما سيلقي نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، والمستشار الألماني أولاف شولتز، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، ورئيسة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس كلمات.
وسيشهد المؤتمر أول لقاءات بين الوفد الأمريكي، بقيادة نائب الرئيس الأمريكي، وشخصيات سياسية وعسكرية أوروبية منذ تنصيب الرئيس دونالد ترامب، وسيشارك في الحدث أيضا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
ومن المقرر أن يجتمع فانس، برفقة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، على هامش المؤتمر مع الرئيس الأوكراني، لمناقشة الضغط المتزايد الذي يبذله الرئيس ترامب لدفع أوكرانيا وروسيا إلى بدء مفاوضات لإنهاء أعنف صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وكان الرئيس ترامب قد تحدث هاتفيا أمس بشكل منفصل مع الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وقال ترامب إنه اتفق مع الرئيس بوتين على أنه حان الوقت لبدء المفاوضات على الفور لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، وعلى صلة بهذه الحرب صرح وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، بأن الإدارة الأمريكية لا تعتقد أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) نتيجة واقعية، وأشار في تصريحات خلال زيارته لمقر الناتو في بروكسل أمس، إلى أنه يتعين على أوكرانيا أن تتخلى عن آمال العودة إلى حدودها قبل عام 2014، والاستعداد لتسوية تفاوضية مع روسيا تدعمها قوات دولية، مؤكدا أنه لن يتم نشر قوات أمريكية في أوكرانيا.
وقبيل أيام من انطلاق مؤتمر ميونيخ، صدر تقرير ميونيخ للأمن 2025، والذي أكد أن تعدد الأقطاب في العالم بات حقيقة واقعة، حيث تتحول القوة نحو عدد أكبر من الجهات الفاعلة القادرة على التأثير على القضايا العالمية الرئيسية في وقت يشهد فيه العالم من جهة أخرى استقطابا متزايدا بين العديد من الدول وداخلها. ويرى التقرير المكون من 151 صفحة، أن النفوذ المتزايد للقوى الناشئة يوفر الأمل في نظام دولي أكثر عدالة وسلاما، لكن التقرير يحذر من أن التنافس المتزايد والاستقطاب والإجراءات الأحادية الجانب تخاطر بخلق “عالم أكثر صراعا”، بدون قواعد مشتركة وتعاون متعدد الأطراف فعال.
وكشف استطلاع للرأي أجراه مؤتمر ميونيخ للأمن، أن أغلب المواطنين في الدول الصناعية الغربية يعربون عن قلقهم إزاء النظام المتعدد الأقطاب الناشئ، ويخشون أن يؤدي إلى زيادة الفوضى والصراع. بينما تنظر الأغلبية في دول مجموعة البريكس إلى هذا التحول بتفاؤل، حيث تعتبره طريقا نحو عالم أكثر عدالة وعدلا وسلاما.
أما رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن كريستوف هويسغن، فقد أكد في كلمة، بمناسبة النسخة الجديدة للمؤتمر أنه لا معنى لمناقشة الأمن الأوروبي بمعزل عن الاتجاهات العالمية، ودون النظر إلى التطورات المهمة الأخرى التي تتراوح بين التقدم في التكنولوجيا والعلاقات الاقتصادية المتغيرة والاحتباس الحراري العالمي، التي تؤثر على الأمن بمعناه الأوسع.
وأضاف أن الأهم من ذلك أن عدد الجهات الفاعلة التي تلعب أدوارا مهمة في النظام الدولي أصبح أكبر من أي وقت مضى، وليس مجرد قوتين عظميين.
ويرى رئيس المؤتمر أنه في حين أن العالم قد لا يكون متعدد الأقطاب حقا بعد، وربما لن يكون كذلك أبدا، لكن العالم يعيش بالفعل في ظل التعددية القطبية، وأضاف أنه كما يأمل كثيرون في مختلف أنحاء العالم، فإن العالم المتعدد الأقطاب قد يتبين أنه أكثر عدالة وعدلا، وربما أكثر سلاما، ولكنه قد يعكس أيضا مسار التقدم، ويغذي التفاوت، ويضر بحقوق الإنسان، ويقيد حل المشاكل العالمية، ويجعل الحرب أكثر احتمالا.
وشدد رئيس مؤتمر ميونيخ على أنه إذا كان المطلوب هو الحفاظ على أرضية مشتركة في عالم تشكله المزيد من الجهات الفاعلة والاستقطاب المتزايد، فإنه يتعين على الجميع إعادة الالتزام بالقواعد المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اتفق عليه الجميع، وقال إنه لا ينبغي للعالم المتعدد الأقطاب أن يصبح عالما يتصرف فيه كل قطب كما يحلو له.
يذكر أن مؤتمر ميونيخ للأمن يقام منذ عام 1963 سنويا في شهر فبراير، في العاصمة البافارية ميونيخ، وفي عام 2021 كان لا بد من عقده بشكل رقمي بسبب جائحة كورونا / كوفيد-19/ . ويجمع مؤتمر ميونيخ للأمن سنويا أهم العقول المعنية بمنع الأزمات وتحقيق الأمن، وتتوافد شخصيات رفيعة المستوى من السياسة وقطاع الأعمال والاقتصاد والعلوم والمجتمع المدني من جميع أنحاء العالم على ألمانيا لحضور المؤتمر، الذي يتطلع منذ نشأته إلى تعزيز الثقة والمساهمة في التوصل إلى حلول سلمية للصراعات، وتعزيز الحوار حيثما يتعذر إجراؤه، من خلال تمكين المسؤولين من تبادل المعلومات والخبرات بشكل غير رسمي، ويضطلع بمهمة تقديم منصة للأفكار والأساليب والمبادرات الجديدة.