تعرَّض القانونُ الدولي العام لكثيرٍ من الغارات منذ خروجه على يد الفقيه الهولندي «هيجو جروسيوس»، فكان فقهاء القانون، وخصوصًا روّاد القانون الخاص يستكثرون عليه صفة القانون ويتهمونه بالضعف وعدم الإلزام كسائر القواعد القانونيّة، إلا أن الفقه عاد واستقر بقانونيّة قواعد القانون الدولي العام، بصفتها مجموعةً من القواعد المُطبّقة في فلك الجماعة الدوليّة، من حيث تنظيمها وعَلاقاتها ببعضها في الحرب والسلم على السواء، ولهذه القواعد طبيعتها المُلزمة في المُجتمع الدولي رغم اختلاف الفقهاء في الأساس الذي يستند إليه هذا الالتزام.
وما لبث القانوني الدولي العام يستقر، إلا والحرب تُشنُ عليه من جديدٍ، وهذه المرة ليس في مسألة قانونيته من عدمها، بل بالقول بعدم جدواه وفائدته، وما يُميّز هذه الهجمة هو حجمها، حيث قال بذلك العالم أجمع بعد ما شاهده من ازدواجيةٍ في المعايير وانتهاكاتٍ لاحت على تصرّفات الدول الغربية بعد حدث (7 أكتوبر) الغني عن التعريف، الذي تكفي الإشارة به لمعرفته.
والغريب هنا أن هذا القول «بعدم جدواه وفائدته»، قال به وتبنّاه أكاديميون ومُفكّرون في مجال القانون الدولي العام، وهذا كان أقسى ما مرّ على هذا القانون، أن يتنكّر له أصحابه.
وفي رأيي، أن هذه القسوة تجد مُبرّراتها في الصدمة التي اعترت العالم جراء المجازر المسكوت عنها.
ورغم ذلك لا أرى مُبررًا أن ينصبّ كل هذا الغضب على القانون الدولي العام، حتى يُجرّد من لبوس الفائدة والجدوى، بل على العكس هو ظاهرة من ظواهر الحياة الدولية، ويشهد بذلك إقرار الدول بوجود قانون دولي والاعتراف بصفته المُلزمة، ولا ينال من ذلك وجود مخالفات تُرتكب وانتهاكات تُسجل، وهذا الواقع لا ينفي تلك السوابق التي أدّى فيها القانون الدولي العام دوره وفرض نفسه وأعزّ صاحب الحق.
كما أننا إذا عدنا لمُراقبة العَلاقات الدوليّة وخصوصًا «الخلافات» فسوف نجد كل طرف في النزاع يزعم أن موقفه هو التفسير الصحيح لأحكام القانون الدولي، وهذا الزعم وحده يكفي للإقرار بفائدته وجدواه.
لذلك، يجب على المُختصين انطلاقًا من التزامهم العلمي والأدبي، البحث والتفكر لتدعيم هذا القانون الدولي، ولابتداع حلولٍ تُرسي قواعده، حتى وإن أُعيد البحث فيما هو مُسلم به «سيادة الدول في مواجهة أحكام القانون الدولي»، والأخذ بالاعتبار وضع العالم أحادي القطب، وتأثير هذا الأمر السلبي على تطبيق قواعد القانون الدولي، فالحل ليس في الإنكار والسكوت، بل في البحث والتفكّر.
Insta:nasseraalmarri